2013/09/21

حواري مع موقع جدل: “جدل” يرصدُ بوادر التصدّع داخل حركة “النهضة”

تقرير: هشام القاسمي  بتاريخ 2013/09/21
الرابط: http://jadal.tn/32349

لم تعد الخلافات داخل حركة النهضة التي تقود تونس في المرحلة الانتقالية، خافية على المتابعين كما كان الأمر سابقًا، بل إنّ رقعة الخلافات تتمدّد يوما بعد يوم وهو ما يمكن ان نستشفّه من تصريحات نائب رئيس الحركة عبد الفتاح مورو، او بعض المستقيلين حديثا من الحركة، او بعض شبابها الغاضب على سياساتها وإدارتها للبلاد، لكنّ قياديين في الحركة تحدثوا إلى “جدل”، حرصوا على التقليل من شأن ما يروج من خلافات واحتقان، مؤكّدين ان حق التعبير مكفول صلب هياكل النهضة  وأن الانسجام بين كوادرها واقع.
عبد الفتاح مورو الذي يصنّف على انه من “حمائم” حركة النهضة الاسلامية، كشف في الحوارين الأخيرين اللذين أجراهما مع الصحيفتين اليوميتين “المغرب” و”التونسية” حقائق يتم التصريح بها لأول مرة.

“تمرّد” مورو
صرّح نائب رئيس حركة النهضة وأحد أبرز مؤسسيها من المطّلعين على “مطبخها الداخلي”، لصحيفة “التونسية” بتاريخ 16 سبتمبر الجاري، أن “النهضة إن لم تتحول إلى حركة سياسية وتستغني عن قياداتها التاريخية ، دون أن يستثني نفسه، فستؤول إلى بؤرة تشنّج عقائدي”.
وأضاف” “من لا يفهمون السياسة هم ممن يتحكمون في الحركة، وسيضحون برئيسها راشد الغنوشي وهذا أمر مؤكد، وهم الآن يبقون عليه كرمز، وفي تصوري أفقدوه الآن سبب وجوده وكيانه”.
ومضى قائلا: “إذا ما حظيت النهضة بأصوات أقل من تلك الّتي تحصّلت عليها في الانتخابات الفارطة فإنّ هناك شقّا سيتمرد عليها، هم لم يفهموا أن تعزيز التوجه الديمقراطي هو ما يعطي القيمة”.
وفي حواره مع صحيفة “المغرب” بتاريخ 13 سبتمبر الحالي أكّد مورو أنّه “أُقصِي إلى جانب الأمين العام للحركة حمادي الجبالي”، وأنّ الحركة لم تفوضه للعب أيّ دور في ملف المشاورات أو الظهور الإعلامي للتحدّث بإسمها… هم لم يسحبوا مني الثقة ولكنهم من الأول لم يمنحوني ثقتهم، هذا الأمر أكثر من التّجميد بل هو تكبيل.. أعطوني اسما عاليا ومربطا خاليا”، على حدّ تعبيره.
وقال أيضا: “النهضة لم تتهيأ بعدُ لتكون طرفا سياسيا حاكما، فهي لم تتخلص من ضبابية خطّها، وهي غير مفتوحة على واقع البلاد، ولم تفهم المرحلة، ولا وجود لآفاق واضحة لها، وهي مطالبة بالتكوين والتدريب”.

 ارتباك داخلي
في سياق متّصل، نسج محمد بن جماعة، الذي استقال مؤخرا من الحركة التي كان عضوا في مكتبها بكندا، على منوال مرور، وتحدث عن تجربته القصيرة في عدّة مقالات نشرها على شبكة الانترنات، جاء فيها: “تعددت مظاهر الارتباك الداخلي الجاري في حركة النهضة، وتوسّعت دائرة الاستياء في جميع الصفوف الصغرى والمتوسطة وحتى القيادية بسبب انفراد مجموعة يصطلح على تسميتها بـ”الماكينة” داخل الحزب، بالقرار.”
وقال بن جماعة في تصريح لـ”جدل”، “من دلالات الارتباك داخل الحركة هو معاناتها من الخلل التنظيمي المتعارف عليه في علوم الإدارة التنظيمية، من ضعف الثقة المتبادلة، وكثرة الخصومات الشخصية، التي تقابل من طرف القيادات إما بالتجاهل أو بثقافة التصبير والتخويف التربوي من النزاع، وتصنُّع الانسجام، وتجنّب مساءلة الآخرين والتّنصّل من المسؤولية الذاتيّة وتحميلها دائما لزملاء العمل”.

خلافات شبابية
وأشار بن جماعة في السياق ذاته إلى “الخلاف الشديد الذي حصل بين شباب النهضة حول شكل التّنظّم في الجامعة وخارجها، والذي أدّى إلى نتائج سلبية في انتخابات المجالس العلمية في الجامعات في عدة أماكن، فضلا عن عجز الشباب عن التّنظم بشكل سليم إلى حد الآن نتيجة خلافات شخصية بين بعض قادة الشباب وعدم تدخل القيادة المركزية للتوسّط الإيجابي ومساعدتهم على تجاوز خلافاتهم”.
انخرام إعلام النهضة
بالإضافة إلى ذلك، يقرّ بن جماعة بـ”عجز مكتب الإعلام المركزي للحركة عن صياغة رؤية إعلامية واضحة ودقيقة، مما أنتج مواقع إلكترونية مرتبطة بالنهضة لا تمتلك رؤية إعلاميّة،” محمّلا المكتب الإعلامي “المسؤولية الكبرى عن فوضى الإعلام النهضاوي وفوضى الفايسبوك السياسي في تونس”، على حدّ تعبيره.
وأضاف بن جماعة أن مسألة التدريب والتأهيل القيادي تواجه مشاكل، “إذ بقي موضوع إلزام الأعضاء ببرنامج تربوي – ديني، أو استبدال ذلك ببرنامج تدريبي – سياسي وفكري، محلّ تجاذبات كبرى داخل المكاتب الجهوية والشبابية، مثلما حصل في كندا، حين رفضتُ تماما الالتزام بحلقات تربوية – دينية في إطار الحزب، وتمّت على إثر ذلك محاولة إلزامي وتهديدي في صورة عدم الالتزام.”
كما تتجلّى مظاهر الارباك الداخلي للحركة، حسب ما أفادنا به المصدر ذاته، “على مستوى عمل مجلس الشورى، خاصة في تكرر إعادة التصويت داخله لمجرد رفض بعض القياديين لنتيجته، فضلا عن تأجيل مناقشة خطة الإصلاح الهيكلي لمجرد طرحها إمكانية حذف خطة الأمين العام أو خطة المنسق العام، والخشية من أن يؤدي ذلك لنزاع حول وضع حمادي الجبالي وعبد الحميد الجلاصي في الهيكلة الجديدة”.
وأضاف: “ما تسير عليه النهضة مخالف تماما للهيكلة الإدارية السليمة، إذ يبرز مثلا عبد الحميد الجلاصي المسؤول عن الهيكلة والتنظيم وأحد المتنفّذين الأساسيين في ملفات التفاوض السياسي، في حين يتم تغييب حمادي الجبالي الأمين العام، وعبد الفتاح مورو نائب الرئيس المكلف بالعلاقات الخارجية عن هذه الملفات.”

تقليص صلاحيات “الشورى”
إلى جانب ذلك، يتحدث بن جماعة عن “الارتباك الذي حصل عندما دعا الجبالي إلى تشكيل حكومة تكنوقراط، وموافقة بعض القيادات حينها، ثم تراجعوا عن تبنّي الفكرة بتأثير من قيادات أخرى في آخر اليوم”.
يضاف إلى ذلك مسألة التخلي، مؤخرا، عن دور مجلس الشورى وإنشاء آلية جديدة تتمثل في ما أسمَوه “مكتبا تنفيذيا موسّعا” يجمع المكتب التنفيذي وعددا من أعضاء المكتب السياسي ومجلس الشّورى، ويتجاوز في نفس الوقت المكتب السياسي ومجلس الشّورى.
سطوة الغنوشي
ومن النقاط البارزة التي يختلف فيها بن جماعة عن مورو في توصيفه لما يحدث في المطبخ الداخلي للحركة، هي مكانة رئيس الحركة راشد الغنوشي والدور الذي يلعبه، إذ يقول مصدرنا، “رغم تقديري الكبير للشيخ راشد كسياسي ومفكر إصلاحيّ، فإن ما عاينته داخليا يشير بوضوح لا لبس فيه إلى تحكّمه في كل مفاصل الحركة، فالشيخ له من النفوذ ما يسمح له بإلغاء أيّ تصويت وإعادته في مجلس الشورى وقلب نتيجة القرار الجماعي، وبتقديم هذا أو ذاك ومنع هذا أو ذاك من الظهور الإعلامي.”
كما أكّد بن جماعة “أنّه تُقدّم بشكل شبه يومي إلى رئيس الحركة تقارير عن تحركات بعض القياديين، فيتمّ على ضوئها استدعاء بعضهم لما يشبه التحقيق، وكل من يحيد منهم عن الطريق المرسوم، يستميله ويشتري سكوته بمنصب صوري”. وأوضح أنّ المسؤولية الكبرى لتردي الوضع الداخلي للحزب يتحمّلها “الشيخ راشد” باعتباره رئيسا للحزب.

استقالات وتجميد للنشاط
على صعيد آخر، كشف بن جماعة أنّ “كثيرين استقالوا فعليا من الحركة ولكن في صمت، وبعضهم جمّد نشاطه بالكامل، وآخرون جمدوا نشاطهم في الجهويات والمحليّات، ولا يحضرون أيّا من أنشطة الحزب، وآخرون أحبطتهم تجربة العمل الداخلي وخيروا الانسحاب، وآخرون أصبحوا يكتفون بالحضور في الأنشطة بروح شبه ميتة، فقط لرفع العتب”، على حدّ تعبيره.
وختم العضو المستقيل قائلا: “بات من الضروري إحداث رجة داخلية من خلال استقالة وانشقاق بعض النهضاويين وبعض القياديين في النهضة، باعتبار أنه لم يعد مقبولا التعامل مع الاحتقان الداخلي بأسلوب النعامة، وتوفير هيكلة إدارية أكثر نجاعة وأكثر فاعلية.  كما أنّ  خروج حزب سياسي جديد من رحم النهضة سيحدث ديناميكية جديدة في دائرة الإسلاميين”.
وحتى إن اختلفت أو توافقت تقييمات ورؤى كل من عبد الفتاح مورو ومحمد بن جماعة، حيال ما تواجهه حركة النهضة على المستوى الداخلي، فإنّهما يجمعان على أنّ الحزب يعاني حقيقة من مشاكل عميقة تتغذّى يوما بعد يوم، نتيجة الأسباب التي ذكراها. وقد يؤدي الأمر إلى تصدّعات عميقة رغم الدّور الّذي يلعبه الوازع العقائدي والبعد الايديولوجي في الرّبط بين أركان الحركة وقواعدها وقياداتها.

الوريمي وزيتون: لا خلافات ولا استقالات
نفى عضو المكتب التنفيذي ومسؤول الثقافة والشباب صلب حركة النهضة، العجمي الوريمي في تصريح لـ”جدل”، “وجود خلافات داخل الحركة”، وقال إنّه “لا وجود لا لاستقالات ولا لانسحابات ولا لتجميد عضوية أيّ إطار أو قيادي بالحركة”، معتبرا أنّ “لكل شخص من الحركة الحق في التعبير عن مواقفه وقناعاته”.
ويوافقه في الأمر ذاته، القيادي وعضو المكتب التنفيذي لطفي زيتون.

لا اقصاء لمورو
وقال الوريمي: “ما تحدّث عنه مورو لا يعدو أن يكون سوى شعورا بالإقصاء، ولكن لا وجود لإقصاء حقيقي له داخل الحركة أو من طرف أيّ من قياداتها، فمختلف لقاءاته الرسمية سواء في الخارج أو في الداخل يؤدّيها بصفته الحزبية كنائب لرئيس الحركة، وتتم دعوته باستمرار للاجتماعات الداخلية للحزب”.
وأشار الوريمي إلى أنّ آخر الأنشطة التي شارك فيها هي “حضوره إلى جانب الأمين العام للحزب حمادي الجبالي ورئيس الحركة راشد الغنوشي في اللقاء مع ممثل الاتحاد الأوروبي”.
وأوضح مسؤول الثقافة والشباب أنه “لا وجود لقرار بمنع الشيخ مورو من التحدّث باسم الحركة في وسائل الإعلام، متسائلا، كيف يمنع من الحديث وهو نائب رئيسها؟”
أما “عن عدم تفويضه للعب دور في المفاوضات السياسية الجارية للخروج من الأزمة، فإنّ تلك المسألة تندرج في إطار تقسيم العمل داخل الحركة وهي مسائل ترتيبية لا غير”.
وعقّب كل من الوريمي وزيتون على تصريحات العضو المستقيل محمد بن جماعة بالقول: “لا أساس لها من الصحة، والحركة هي حركة أشخاص ومؤسسات، وهي تؤثر وتتأثر وتتفاعل مع واقعها وتزخر بتنوّع كبير من حيث الأفكار، ورئيس الحركة هو من يعبّر عنها”.

على طريق الانقسام
على صعيد آخر، يرى الخبير في الجماعات الاسلامية والمحلّل السياسي علية العلاّني “أن الأحزاب العقائدية مثل النهضة يصعب أن تحدث فيها انقسامات عندما تكون في المعارضة نظرا للروابط التي تجمع بين القيادة وقواعدها القائمة على أساس البيعة التي تتضمن الطاعة لقائد التنظيم، أما عندما تتحول إلى مسك زمام الحكم فإنّه من الوارد تعرّضها للانقسامات نظرا لأن الرابط بين مكوّناتها يصبح قائما على أساس مصلحي ومنفعي، تحت الغطاء العقائدي ذاته”.

صراع أجنحة
يضيف العلاني لـ”جدل”: “بهذا الشكل، يمكن أن نفهم جيدا حقيقة صراع الأجنحة داخل النهضة، وهو صراع على المواقع وصراع فكري، بين المعتدلين والمحافظين”.
وبيّن الخبير في الجماعات الاسلامية أنّه في المؤتمر التاسع للحركة الذي انعقد في جويلية 2012، كان الجناح المعتدل لا يتجاوز ثلث نواب المؤتمر، وقد رُفِضت معظم اللّوائح التي تقدّم بها ممثّلو هذا الجناح، من قبل جناح المحافظين الذي يحتل أكبر نسبة من المواقع في الحزب والدولة”.
كما أكّد العلاني “أنّ الانشقاق سيكون أكبر بعد الانتخابات القادمة، ولكن تبقى إمكانية وقوعه قبلها أمرا واردا جدا”.

جدل الدعوي والسياسي
يشدد العلاني على أنّ النهضة أمام متطلبات مستعجلة من مصلحتها القيام بها، “أولا، ضرورة الحسم في الفصل بين الجانبين الدعوي والسياسي في الحزب وتأكيد المرجعية السياسية للحركة ومراجعة فلسفتها في الحكم وأرضيتها الايديولوجية. ثانيا، إعادة توزيع المواقع والمسؤوليات داخل الحركة بتمكين الجناح المعتدل فيها من أهمّ المناصب في الحزب، ثالثا، ضرورة تخليها عن انتمائها لفكر الإخوان المسلمين وتنظيمهم الدولي، لأن ما بثّته القنوات التلفزية النهضاوية إثر سقوط الرئيس المصري محمد مرسي، عزّز الشكوك في تبعيتها لذلك التنظيم”.