2010/05/25

كيف نفهم الدين وكيف نتحاور مع الآخرين في المواضيع الدينية؟

سألني أحد الأصدقاء في مراسلة خاصة، السؤال التالي:

هل يجب على الإنسان المؤمن أن يتخلّى عن الدراسة الفلسفية للدين عندما يبلغ مرحلة معينة من اليقين،أم أنه مطالب بممارسة هذاه الفلسفة و لو أحيانا؟

ألا تعرّض هذه الفلسفة الإنسان لخطر المراوحة بين الشك و اليقين؟

فكان جوابي هو التالي، وقد رأيت نشره هنا لتعميم الفائدة، ورغبة في تصويبي إن لزم الأمر، مع إضافة طفيفة بدت لي بعد إرسال الجواب، وأثبتها هنا:

هذه المسألة يجب أن ينظر إليها من زاوية الأفراد وميولاتهم وطبائعهم ونوعية المنطق الذي يميلون إليه في التفكير.

فهناك من يتأثر بالجانب العاطفي والوجداني، وهناك من يتأثر أكثر بالنظر العقلي، وآخر يتأثر بالمنهج العلمي أكثر إلخ. فالناس تختلف طرائق تفكيرهم، وبالتالي تختلف مفاتيح قلوبهم.

هناك كاتب فرنسي شهير اسمه جوستاف لوبون Gustave lebon
كتب كتابا هاما جدا حول كيفية تكون الآراء والمعتقدات عند الإنسان. وقال فيه إن الإنسان لا يفكر بطريقة واحدة فقط، وإنما يفكر بخمسة أنواع من المنطق في نفس الوقت: المنطق العقلاني، والمنطق الوجداني، والمنطق الأسطوري، والمنطق البيولوجي، والمنطق الجماعي.
(Logique rationnelle, logique émotionnelle, logique biologique, logique mystique, logique collective)
وما يميز شخصا عن آخر هو حجم الميل لديه إلى منطق على حساب الأنواع الأخرى. فمن البشر من يغلب العقل على العاطفة، ومنهم من يغلب العاطفة على الجانب الخرافي، إلخ...

هذا الاختلاف في طرق التفكير ينطبق أيضا على فهم الدين. فمن الناس من لا يقتنع إلا بأسلوب فلسفي، ومنهم من يتأثر بالجانب العلمي، إلخ. ولذلك فلا يمكن إطلاق الحكم بالنهي عن الدراسة الفلسفية للدين، لأنها في واقع شريحة بشرية كبيرة تمثل المدخل الوحيد للاقتناع بالدين، وإلا فإنها سترفضه. والإسلام رسالة هداية للبشرية جمعاء دون استثناء. ولذلك فمن الضروري الاهتمام بمثل هذه الدراسة حتى نستجيب لتساؤلات التي تطرح على الدين من هذا الباب.

وهذا التنوع ضروري حتى يذعن كل شخص للإسلام بالطريقة التي تناسب نضجه العقلي والدرجة الملائمة لما توصل إليه من علم وخبرات وتجارب.

ولعلي أطرح هذه الفكرة عن اختلاف طرق التفكير عند البشر في مناسبة أخرى بتفصيل بإذن الله.

وعلى فكرة: قد لا يستوعب المسلم الذي يعيش في بلاد مسلمة هذا الأمر الذي أتحدث عنه بنفس الدرجة التي يلاحظها المسلم الذي يعيش في بلاد غير مسلمة. فنحن هنا في كندا، مثلا، نرى أعدادا من الكنديين يهتدون للإسلام، غير أننا نندهش لاختلاف تجاربهم وقصصهم في التعرف على الإسلام والدخول إليه.

فمنهم من اهتدى بمجرد القراءة الوجدانية للقرآن التي جعلته يتأثر ويبكي بمجرد قراءة بعض السور المحددة أو الآيات المحددة فيه. ومنهم من تأثر في قراءته للقرآن بالجانب المنطقي والفلسفي فيه (أي: المفاهيم المتعلقة بوجود الله، والأخلاق، والحق والخير والجمال، والسعادة، إلخ). ومنهم من تأثر به لأنه بحث فيه عن جوانب متعلقة بالعلم التجريبي. ومنهم من خاض تجربة زهدية أو صوفية جعلته يشعر بالطمأنينة في الإسلام، إلخ...

وهذا أيضا نراه في تجارب أشخاص مشهورين أيضا.
فروجيه جارودي الفيلسوف الفرنسي، وليوبولد فايس (الفيلسوف الألماني الذي سمى نفسه بعد إسلام: محمد أسد) والسفير الألماني السابق في المغرب د. مراد فوهمان، هؤلاء كانوا عقولا فلسفية لم يكن من السهل إقناعها بالدين والتدين. غير أن عقولها أذعنت للحق حين قرأت القرآن بمنطق فلسفي. ولو لم ينظروا للقرآن من هذه الزاوية لما أسلموا

أما د. كيث مور (العالم الكندي الشهير في علوم البيولوجيا)، ود. موريس بوكاي، وكثيرون آخرون، فقد أذعنوا حين درسوا القرآن من خلال مقارنته بالخبرات المتولدة عن العلوم التجريبية، ولو لم ينظروا للقرآن من هذه الزاوية لما أسلموا

وقل نفس الشيء عن الأنواع الأخرى من المهتدين للإسلام.

ولعل هذا بعض ما تشير إليه الآية القرآنية (سورة فصلت 53):
سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ

فكل فئة من البشر تحتاج لأدوات إقناع وطرق استدلال من نوع خاص يتوافق مع تركيبتها العقلية والنفسية، وما لم نتعامل معها على هذا الأساس فلن تستجيب ولن تقتنع. ولو خاطبتها بأدوات وأدلة لا تستيغها لما استجابت لنداء الحق حتى لو كانت تلك الوسائل والأدوات قوية الحجة.

بل نجد حتى بعض التجارب التي أظهرت دخول أفراد إلى الإسلام فقط من خلال المنطق الجماعي، وذلك في عهد النبي (ص). فقد أوردت كتب السيرة أن بعض القبائل أسلمت مباشرة بمجرد إسلام زعيم القبيلة، نظرا لولائها الجماعي للقبيلة. هذا حصل أيضا في عصرنا، حيث نسمع من حين لآخر بدخول بعض القبائل الأفريقية البدائية إلى الإسلام بطريقة جماعية بمجرد حديث بعض الدعاة مع زعمائها.

إذن، فمن الضروري الاهتمام المتوازن بجميع المداخل للتعرف على الإسلام. ومن واجب المسلم الداعية الذي يحمل همّ هداية الآخرين وتبليغ رسالة الإسلام، أن يتعرف على مفتاح شخصية كل واحد يتعامل معه، فهذا هو عين الحكمة والمنطق السليم، ولذلك وورد عن أحد الصحابة قوله: أُمِرْنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم (رواه الزرقاني في كتاب مختصر المقاصد)
وقال علي بن أبي طالب: خاطبوا القوم بما يفقهون، أتريدون أن يُكذّب الله ورسوله؟

أما عن بلوغ مرتبة الإيمان، وهل يحتاج المؤمن بعد الوصول إليها إلى العودة للدراسة الفلسفية له، فليس هناك أي حرج في ذلك، طالما كان ذلك بهدف إعادة تجديد الإيمان في القلب. وهذا ما يسميه ديكارت (الشك المنهجي). فهو لا يمارس الشك من باب التراجع إلى الوراء، وإنما من باب إعادة التدقيق والمراجعة في الخطوات السابقة، للتأكد من صوابية المسار في مستقبل الأيام.

وقد تعرض لذلك إبراهيم عليه السلام، حين قاله لربه (سورة البقرة، 260):
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ

فهو في هذه طرح تساؤلا علميا تجريبيا ، ليس لأنه شك أو تراجع في إيمانه، وإنما أراد ذلك لمزيد ترسيخ الإيمان .وتثبيته

وعلى فكرة: جوستاف لوبون يعتبر من أبرز علماء النفس. وهو مؤسس علم نفس الجماهير
La psychologie des foules
وله كتاب بنفس هذا العنوان
أما كتابه عن الآراء والمعتقدات،
(Les opinions et les croyances)
فيعتبر من أبرز المراجع في هذا الموضوع. ويمكن الاطلاع على كتاباته بالفرنسية وتحميلها من الموقع التالي:
http://classiques.uqac.ca/classiques/le_bon_gustave/le_bon_gustave.html


وجوستاف لوبون لم يؤثر عنه أنه كان مؤمنا. والعلم عند الله.. وهذه المسألة تقودني للتذكير بأمر قد يفيد ذكره هنا: الجانب الظاهر من حياة المفكرين قد يؤدي إلى الحكم عليهم بالإلحاد والكفر.. غير أننا عند التعرف على بعض الجوانب الخفية منها، قد نفاجأ بتغير عجيب يجذبهم إلى دائرة الإيمان.

ومن هؤلاء ما حصل للأديب الروسي الشهير دوستويفسكي، الذي لوحظ عليه اهتمام بالقرآن وهو في السجن الذي قضى فيه نحبه.

2010/05/04

دفاعا عن حق الغامدي في إبداء موقفه

تابعت جميع تفاصيل اللغط الذي صاحب في السعودية إعلان الدكتور أحمد قاسم الغامدي عن رأيه الفقهي في مسألتي الاختلاط وصلاة الجماعة.. وقد استغربت حدة الردود وقسوتها من طبقة ترى في نفسها ممثلة للعلم الشرعي، وبالتالي يفترض فيها أن تكون الأكثر التزاما بآداب الإسلام وبمنهجية النقد العلمي.

وقد كتبت هذا المقال منذ أيام وتخليت عن فكرة إرساله لهذه المجموعة البريدية (*). غير أن خبر المباهلة الذي نشر اليوم في المجموعة جعلني أعزم على نشر هذه الرسالة.

أما طلب المباهلة، فلا إخاله إلا لوثة عقلية من طالبها. فالقضية فقهية واجتهادية بحتة، والرجل إنما نقل أقوالا وأبدى رأيه في درجة بعض الأحاديث، فهل هذا يستدعي دعوة للمباهلة؟

يا أهل المملكة: أليس فيكم رجل رشيد يرد مثل هذه الدعوات؟

إن لم يكن هذا هو التطرف بعينه فما هو التطرف في أنظاركم؟ وماذا بعد المباهلة إلا التكفير؟

لست في محل الدفاع عن رأي الغامدي من الناحية الفقهية، ولا يهمني ذلك بما أنني أعيش في كندا، في سياق ثقافي لا يطرح فيه هذا الموضوع أصلا.. وإنما من واجبي الشرعي أن أدافع عن حق هذا الباحث في إبداء آرائه بعيدا عن الإرهاب الفكري.. ومن واجبكم، أنتم كطلبة علم أن تدافعوا عن حق الرجل في إبداء رأيه الفقهي، حتى لو لم تتفقوا معه.

هذه الدعوات والاستفزازات تسمى في لغة العصر: عنفا لفظيا وعنفا نفسيا لا يقل جرما عن العنف البدني والقتل.. مثل هذه الدعوة هي "قتل باللسان والقلم" يمثل جريمة لا تقل عن القتل الدموي. وقد تأسفت كثيرا لموقف د. السعيدي (إن صح ما نقل عنه، وهو في المجموعة البريدية، ولم أقرأ له تفنيدا لذلك) من خبر تعدي بعض الشباب الحمقى على حرمة الرجل، وعجبت لطالب علم مثله كيف يسقط هكذا.

وبالعودة لموضوع الاختلاط وحكم صلاة الجماعة: دعكم من محاكمات النوايا، وإن كانت هناك مطامع دنيوية وراء ذلك، أو أن أشخاصا يدفعون الغامدي للإدلاء بهذه الآراء، فهذا كله لا قيمة له، ومن العيب على طلبة العلم أن يقيموا لمثل هذه الظنون وزنًا. وحتى لو افترضنا أن هذه الظنون لها ما يدعمها، فلن يفيد كثيرا التركيز عليها والحرص على التذكير بها.. فالمهم والأَوْلى هو التعليق على الاستدلالات المطروحة، بنفس الأسلوب العلمي.

لقد أتيح لي منذ أيام  أن أقرأ بحث د. أحمد قاسم الغامدي المعنون (قوافل الطاعة في حكم صلاة الجماعة)، وألفيته دراسة حديثية علمية دقيقة ومفصلة، تدل على بحث عميق وصبور ومقارن، وإن كانت لدي بعض الملاحظات عليه، وأرى أن بالإمكان تطوير هذه الدراسة وتحسينها.. وأستغرب تسرع بعض طلبة العلم في اتهام الرجل باتباع الهوى وقلة الزاد.

وأشهد أنني وجدت في الدراسة منهجية علمية صارمة متحررة من التقليد المذهبي، لا تختلف كثيرا عن منهجية د. عبد الله بن يوسف الجديع في كتبه المتعلقة بالغناء والموسيقى، واللحية، وحديث الافتراق.

كما اطلعت في الأيام الأخيرة على اللقاءات التلفزيونية المتعلقة بموضوع الاختلاط، فوجدت ما يدل على دراية د. الغامدي وعلمه، وأيضا على أدبه في الحديث عن الرأي المخالف، والتزامه الدقة في بيان أدلتهم، قبل أدلته هو، وهذا مما يمثل أدنى ما يطالب به الباحث الشرعي.

ففي الحوارات العلمية لا يهم كثيرا إن كان الحق معك.. ما يهم أكثر هو الأسلوب الذي تعرض به هذا الحق. والحق لا يحتاج إلا أن نعرضه بالأسلوب الذي يليق به، أي "الأسلوب الأحسن".. فحتى "الأسلوب الحسن" في وجود ما هو أحسن منه مرفوض حسب التعبير القرآني. فماذا لو طبقنا هذه القاعدة على كلام د. النجيمي ود. الحمدان؟ هل عرض هذا العالمان الموقف الفقهي الذي يعبر عن "الحق" من زاوية نظرهما، بالأسلوب الأحسن؟!..

ثم لو اعتبرتُ نفسي ملاحظا أو مشاهدا عاديا، وسمعت مباشرة بعد هذا اللقاء التلفزيوني بما حصل مع د. النجيمي في الكويت، فقولوا لي بالله عليكم: أي رسالة تتوجه للناس بعد هذا "التناقض السلوكي" الخطير؟!

أما د. الحمدان فقد كان تركيزه على الأحكام التقييمية لكفاءة الشخص أكثر من اهتمامه باستعراض أدلته.. فما فائدة أن يستعظم جرأة الغامدي على تضعيف بعض الأحاديث التي حسّنها الألباني مثلا، في حين أنه كان يكفي أن يرد عليه بنفس الأدوات العلمية لإثبات صواب تحسين الحديث؟!

من يشاهد الحوار لا يهمّه إن كان الغامدي قد تجرّأ على الألباني وغيره أم لا، فليست تلك هي قضية المشاهد.. قضية المشاهد الحقيقية والوحيدة هي إن كان استدلال الرجل صحيحا أم لا.. وهذا ما عجز عنه النجيمي والحمدان معا عجزا تاما.

لو طبقنا فقط قواعد الحوار والمناظرة فقط، بدون اعتبار آرائنا الفقهية المسبقة، أحسب أنه لا خلاف على أن الغامدي كان أكثر كفاءة وقدرة على بيان رأيه والدفاع عنه. وما يحسب للرجل أنه لم ينتقص من قدر الفقهاء الذين خالفهم. وإنما بين فقط عدم اتفاقه معهم.

أما الآخران فقد خلطا رأيهما العلمي بانتقاص من الرجل والتشنيع عليه، مما اضطر الغامدي للدفاع عن نفسه، وله الحق في ذلك.

وعموما، لو كان الانتقاص من الرجل صادرا عن بعض طلبة العلم لما توقفت عنده كثيرا، فقد اعتدت أن أقرأ المقالات المتسرعة والمتجنية من البعض ضد البعض الآخر. وهذا للأسف الشديد من أعظم آفات الساحة الشرعية في المملكة، والتي تصدم القراء من خارج المملكة أمثالي، والذين ينظرون للساحة الشرعية السعودية نظرة حب وتعلق باعتبار علاقتها بالحرمين الشريفين.. إذ يفترض في هؤلاء أن يكونوا الأحرص على الصدق والأمانة والدقة العلمية والمنهجية والعدل والإنصاف. ولا أدري إن كان هؤلاء يدركون حجم الضرر البالغ الذي يلحقونه بالدعوة الإسلامية حين لا يجسّدون في كتاباتهم ومواقفهم آداب الإسلام في النقد والرد على المخالفين.

أقول: لو كان هذا الأمر متعلقا صادرا عن بعض طلبة العلم، لما توقفت كثيرا عند الاتهامات الموجهة للدكتور، ولكن أن يصدر عن لجنةٍ علميةٍ ما يُشْعِرُ القراءَ بوجود تسرع في إصدار البيان من خلال الاعتماد فقط على ما نشر في حوار صحفي دون الاطلاع على بحث علمي، فهذا في الحقيقة مبعث للحيرة والأسف.

وأود هنا أن أعلق أيضا على بيان اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية.

أرجو من له صلة باللجنة أن يبلغهم هذا السؤال:

"إن كانوا يقصدون، ببيانهم الأخير حول صلاة الجماعة، حديثَ د. الغامدي في جريدة عكاظ، فأرجو منهم أن يؤكّدوا ما إذا كانوا قرأوا البحث الذي كتبه الرجل أم أنهم اعتمدوا فقط على الحوار الذي نشر في جريدة عكاظ".

فبيان اللجنة العلمية بدأ بهذه العبارة: "في هذه الأيام تنشر بعض الصحف مقالات لبعض الكتاب يهوّنون فيها من أهمية صلاة الجماعة في المسجد نظراً لأن بعض العلماء قال إنها سنّة، ولهذا يستنكرون أمر الناس بها، ويستنكرون إغلاق المحلات التجارية وقت الصلاة". بحسب وكالة الأنباء السعودية.

وهذا الكلام فيه بعض التجنّي على الرجل، لأن الجريدة نشرت بحثه العلمي من خلال وضع رابط له في نفس صفحة الحوار على الإنترنت.. أفلم يكن من المفيد أن يكون البيان أكثر دقة، بالقول إن اللجنة اطلعت على بحث الكاتب وليس فقط على حواره الصحفي؟! فكلنا يعلم أن الآراء الفقهية التي تنتشر من خلال الحوارات الصحفية هي أكثر ما يحتاج فيه للتحري والتثبت، لأن الأسلوب الصحفي يعتمد على الإثارة التي لا يصحّ لطلبة العلم أن يتأثروا بها أو يكتفوا بها.

وقد ورد في بيان اللجنة استشهادٌ بعدد من الأحاديث، مثل ما رواه مسلم عن عبد الله بن مسعود، في حين أن الغامدي أورد تعليقا علميا حول هذا النقل، وعلى جميع الأدلة الأخرى التي ذكرها البيان.. فما وجه التذكير بهذه الأدلة إذن، دون الرد على تعليق الغامدي عليها؟ أيصح أن يعتبر هذا البيان "علميا"؟

من الواضح أن الغامدي كتب بحثًه وهو مطّلع جيّدا على جميع الأدلة التي ذكرها البيان، وقد علّق عليها في بحثه.. ولا يهمني إن كان تعليقه سليما أو لا، وإنما يفترض في المنهجية العلمية أن يشرح هذا البيان أوجه القوة في الأدلة المذكورة مما لم يتعرض له الغامدي في بحثه. أما إعادة ذكر الأدلة فهذا يسمى تكرارا غير مفيد.

أما إذا ثبت أن أصحاب البيان لم يطلعوا هؤلاء على بحث الرجل قبل إصدار البيان، فسيكون الموضوع مبعثا للدهشة.

ولمن لم يقرأ هؤلاء بحث د. الغامدي، أضعه لكم هنا للاطلاع عليه.  وقد وجدته على موقع جريدة عكاظ، وحسّنت ترتيب صفحاته، داعيا للغامدي بكل خير، وأن يكتب له بهذا العمل أجرين، وإلا فالأجر الواحد حاصل بإذن الله.

* هذا المقال كان رسالةً موجهة لمجموعة د.عبد العزيز قاسم البريدية، بتاريخ 04/05/2010