2010/07/25

خمسون فكرة لزرع الثقة في طفلك

أرسل إلي أحد الأصدقاء دراسة تربوية ملخصة (لم يذكر اسم كاتبها) في كيفية بناء شخصية الطفل. وأنشر هنا أهم النقاط فيها للفائدة، ولي تعليق أرجو الاطلاع عليه. وقد بدأت الدراسة بما يلي:

* الأولاد يتعلمون حسبما يعاملون:

- إذا عومل الولد بإنصاف فإنه يتعلم العدل.
- إذا عومل الولد بتشجيع فإنه يتعلم الثقة.
- إذا عومل الولد بتأييد فإنه يتعلم عدم الركون للغير.
- إذا عومل الولد بتسامح فإنه يتعلم العفو.
- إذا عومل الولد بأمان فإنه يتعلم الصدق.
- إذا عومل الولد بصداقة فإنه يتعلم حب الآخرين.
- إذا عومل الولد بالمدح فإنه يتعلم التقدير.
- إذا عومل الولد بسخرية فإنه يتعلم الانطواء.
- إذا عومل الولد بعداوة فإنه يتعلم الكراهية والحقد.
- إذا عومل الولد بالقسوة فإنه يتعلم العناد.
- إذا عومل الولد بانتقاد فإنه يتعلم التنديد.
- إذا عومل الولد بتأنيب فإنه يتعلم الشعور بالذنب.

* خمسون فكرة لزرع الثقة في طفلك:

1. امدح طفلك أمام الغير.
2. لا تجعله ينتقد نفسه.
3. قل له (لو سمحت) و(شكرا).
4. عامله كطفل واجعله يعيش طفولته.
5. ساعده في اتخاذ القرار بنفسه.
6. علمه السباحة.
7. اجعله ضيف الشرف في إحدى المناسبات.
8. اسأله عن رأيه، وخذ رأيه في أمر من الأمور.
9. اجعل له ركنا في المنزل لأعماله واكتب اسمه على إنجازاته.
10. ساعده في كسب الصداقات، فان الأطفال هذه الأيام لا يعرفون كيف يختارون أصدقائهم.
11. اجعله يشعر بأهميته ومكانته وأن له قدرات وهبها الله له.
12. علمه أن يصلي معك واغرس فيه مبادئ الإيمان بالله.
13. علمه مهارات إبداء الرأي والتقديم وكيف يتكلم ويعرض ما عنده للناس.
14. علمه كيف يقرأ التعليمات ويتبعها.
15. علمه كيف يضع لنفسه مبادئ وواجبات ويتبعها وينفذها.
16. علمه مهارة الإسعافات الأولية.
17. أجب عن جميع أسئلته.
18. أوف بوعدك له.
19. علمه مهارة الطبخ البسيط كسلق البيض وقلي البطاطا وتسخين الخبز وغيرها.
20. عرفه بقوة البركة وأهمية الدعاء.
21. علمه كيف يعمل ضمن فريقه.
22. شجعه على توجيه الأسئلة.
23. أجعله يشعر أن له مكانة بين أصدقائه.
24. أفصح عن أسباب أي قرار تتخذه.
25. كن في أول يوم من أيام المدرسة معه.
26. ارو له قصصا من أيام طفولتك.
27. اجعل طفلك يلعب دور المدرس وأنت تلعب دور التلميذ.
28. علم طفلك كيف يمكن العثور عليه عندما يضيع.
29. علمه كيف يرفض ويقول (لا) للخطأ.
30. علمه كيف يمنح ويعطي.
31. أعطه مالا يكفي ليتصرف به عند الحاجة.
32. شجعه على الحفظ والاستذكار.
33. علمه كيف يدافع عن نفسه وجسده.
34. اشرح له ما يسأل عنه من شبهات وشكوك في نفسه.
35. لا تهدده على الإطلاق.
36. أعطه تحذيرات مسبقة.
37. علمه كيف يواجه الفشل.
38. علمه كيف يستثمر ماله.
39. جرب شيئا جديدا له ولك في آن معا مع معرفة النتائج مسبقا.
40. علمه كيف يصلح أغراضه ويرتبها.
41. شاطره في أحلامه وطموحاته وشجعه على ان يتمنى.
42. علمه عن اختلاف الجنسين بين الذكر والأنثى من وحي آيات القرآن الكريم.
43. علمه القيم والمبادئ السليمة والكريمة.
44. علمه كيف يتحمل مسؤولية تصرفاته.
45. امدح أعماله وإنجازاته وعلمه كتابتها.
46. علمه كيف يتعامل مع الحيوان الأليف.
47. اعتذر له عن أي خطأ واضح يصدر منك.
48.. اجعل له يوما فيه مفاجآت.
49. عوده على قراءة القرآن كل يوم.
50. أخبره انك تحبه وضمه إلى صدرك، فهذا يزرع فيه الثقة بنفسه.

* تعليق:

تأملت هذه الدراسة قليلا. وعلى بساطتها ونقص المراجع فيها، وجدت أنها تصلح كإطار للتعامل الاجتماعي في كثير من المستويات.
قد لا يستفيد قارئ هذه الدراسة إن ظن أنها معنية فقط بتربية الآباء للأبناء. أما إذا حاول توسيع دائرة الاستفادة منها، فسيتفطن إلى فائدتها في جميع مستويات الشبكة الاجتماعية:
- علاقة الزوج بزوجته، والزوجة بزوجها
- علاقة الابن بالوالدين، والوالدين بالابن
- علاقة الصديق بصديقه
- علاقة الأخ بأخيه
- علاقة الزميل بزميله
- علاقة المواطن بالمواطن
- علاقة الإنسان بالإنسان
- علاقة الحاكم بالمحكوم، والمحكوم بالحاكم
- علاقة الأستاذ بالتلميذ، والتلميذ بالأستاذ
- علاقة الجماعة بالفرد، والفرد بالجماعة
- علاقة المؤسسة بالموظف، والموظف بالمؤسسة
- ...
باختصار: كل العلاقات الثنائية، أفقية كانت أو عمودية.

2010/07/20

أحب أن أفهم: لماذا نختلف في اهتماماتنا ومطالعاتنا؟

هناك تساؤلات كثيرة يطرحها الشباب على أنفسهم حين تصيبهم الحيرة والصعوبات لمعرفة قيمة الكتاب أو البحث أو المقال في الموضوع الذي يتطرق إليه، خصوصا حين يبحث أو يعثر على آراء تعرضت لهذا الكتاب أو البحث أو المقال بنقد أو بعرض، خصوصا إذا كانت هذه الآراء لأشخاص غير متخصصين.

وفي ما يلي بعض هذه التساؤلات. وسيساعدنا طرحها هنا في محاولة العثور عن أجوبة لها، أو على الأقل في فهم الأسباب التي تؤدي إلى هذه الوضعية التي يمر بها الشباب في مطالعاتهم.

1- ما الذي يعطي قيمة علمية للكتاب أو المقال؟ هل هو اسم كاتبه؟ أم المدرسة العقائدية التي ينتمي إليها ؟ أم جدة الأفكار أو منهجية الطرح ؟ أم ماذا؟

2- هل يفيد النظر إلى محتوى الكتاب بدون اعتبار اسم الكاتب، أو انتمائه الفقهي أو العقائدي حتى نبتعد عن إطلاق حكم تعميمي؟

3- هل يمكننا تعداد كل العوامل التي يتوجب الاهتمام بها عند الحكم على قيمة الكتاب؟ وكيف نرتب أهمية هذه العوامل في ما بينها حتى لا نسقط في تضخيم عامل على حساب آخر ؟

4- كيف نميز بين كتاب عادي لم يأت بجديد؟ وكتاب بالغ الأهمية؟

5- هل تعطي الدرجة العلمية للكاتب قيمة مضافة لعمله مقارنة بغيره ممن هم أقل درجة علمية منه؟ وهل لكثرة كتبه وبحوثه العلمية ومشاركاته في المؤتمرات قيمة مضافة؟

6- لماذا يعتبر بعض الشباب كتابات ابن تيمية أفضل الكتب العلمية وأهم منبع لعلوم الدين ؟ في حين يتبرم البعض الآخر منها؟

7- ولماذا يعتبر البعض د. يوسف القرضاوي من أفضل من كتب في الدراسات الإسلامية المنهجية؟ في حن يحذر آخرون من القراءة له؟ وقل مثل ذلك عن الألباني، والغزاليين، وسيد قطب، وغيرهم؟

8- لماذا يعبر البعض عن إعجابهم بمحمد حسان والحويني وغيرهم من رموز المدرسة السلفية البارزة على الفضائيات ؟ في حين يميل شباب آخرون لخطاب عمرو خالد وبعض الدعاة الجدد ؟


9- لماذا يبحث البعض عن كل ما كتبه أحد الكتاب أو العلماء أو الدعاة الذين تأثر بهم، فلا يرى مَثَلا له في ما كتب.. حتى أنه لا يرى لأي علم أن يقوم سوى بما كتبه هذا العالم، وإن كان بعض كلمات أو أفكار لا يصلح أن تساق دليلا على مساهمته في بناء هذا العلم؟ في حين يرى آخرون أن هذا الكاتب عادي، وليس لما يكتبه قيمة كبيرة كما يتصورها الآخرون؟

10- هل القدرة على التمييز بين الكتاب الجيد المتميز والكتاب العادي أمر يعود إلى موهبة فطرية في القراءة والتفكير، أم هي مكتسبة من خلال الدربة؟ فإن كانت مكتسبة فما هي العوامل المساعدة على اكتساب هذه الملكة؟

11- في علوم الحديث، يكثر الحديث في علم العلل تشبيه النقاد القادرين على التمييز بين صحيح الحديث وسقيمه، ومعوجه، ومستقيمه، بالصيرفي البصير بصناعته الذي يستطيع التمييز بين الجياد والزيوف والدنانير والفلوس. وعند الحديث عن المحدثين الكبار كالبخاري وغيره، تذكر كتب التراجم حفظهم لعشرات أو مئات الآلاف من الأحاديث، رغم اكتفائهم بتصحيح بضعة آلاف.
كما تذكر كتب الأدب، أن الأديب والشاعر لا يكتسبان ملكة الكتابة أو الشعر إلا بكثرة المطالعة والحفظ مع تنويعهما.
فمن أين تولدت ظاهرة التحذير من المطالعة وتنويعها، والاكتفاء بما يزكيه الشيخ أو الأستاذ؟ وهل هذه الظاهرة تساعد في تكوين قراء لديهم ملكة التمييز بين الغث والسمين؟

12- هل القيمة العلمية للكتاب أو للبحث الإسلامي تختلف باختلاف المستوى العلمي للقارئ؟

13- كيف نميز بين أسلوب علمي متجه لتبسيط المفاهيم للعامة، وأسلوب علمي متجه إلى من لهم إلمام متوسط، وأسلوب علمي متجه إلى المتخصصين، وأسلوب رابع غير علمي؟

14- هل يمكن الحكم على زلات الأفكار بدون التنقيص من القيمة العلمية للكاتب؟
تذكرت هذا الأمر عند قراءتي لمقال ذكر صاحبه ضرورة التمييز بين بعض الزلات التي لا تحمل معنى، والزلات الزاخرة بالمعاني.
فكيف ينمي القارئ قدراته على التمييز بين هذين النوعين من الزلات؟

15- ما تأثير عدم وجود أفكار إبداعية في الكتاب على جودته ؟ وكيف نتأكد من أن كتابا ما ذو محتوى إبداعي أم لا؟

2010/07/07

البحث عن اللذة في التعامل مع القرآن الكريم

هذه تساؤلات في موضوع البحث عن اللذة في التعامل مع الكريم أرجو أن تستثيركم للتفكير في الموضوع.

كيف أتذوق القرآن الكريم؟ ولماذا أتذوق القرآن الكريم؟ أهو بحث عن لذة مفقودة، أم هي دعوة لتنمية حاسة التذوق؟ وما هي الأدوات التي تساعد على تطوير هذه الحاسة؟

تذوق القرآن الكريم ضرورة لمن يؤمن بالحاجة إليه. وهذا التذوق نابع أساسا من حاجتين أساسيتين لقارئ القرآن:

1- العلم والمعرفة: أي العثور على الأجوبة المقنعة والكافية للتساؤلات المحيرة في هذه الحياة.

2- بلوغ درجات أفضل من الإتقان في الفهم والتفكير والعمل: أي العثور على حلول عملية لتحسين الأداء والسلوك اليومي على المستوى الفردي والاجتماعي، في كل مراحل الحياة، وميادين التفاعل البشري.

وطالما لم يتم إدراك هاتين الحاجتين، لن يكون لتذوق القرآن معنى. فالتذوق ليس حاجة كمالية، وإنما هو ضرورة عملية وحياتية للمسلم، تستوجب النفاذ إلى حقيقتها بعمق وجدية.

الباحث عن اللذة في التعامل مع القرآن الكريم يحتاج لمن يعينه في الإجابة على التساؤلات التالية
1- كيف أطور قدراتي ومهاراتي في الفهم السليم والتفكير المستقيم
2- كيف أطور قدراتي اللغوية حتى أتفاعل مع التعبير القرآني
3- كيف أعلق همتي بالإتقان وحسن الأداء وحسن الخلق، في كل جوانب الحياة الدنيوية، إن كانت الآخرة همّي بصدق.
4- كيف أتعلق بكتاب الله عز وجل، فهما وتطبيقا، وإدراك القيم الكبرى التي يدعو إليها القرآن، وأنها هي الطريق الوحيد للحياة الطيبة في الدنيا، والسبيل وحيد للسعادة العظمى في الآخرة
5- كيف أنمي الشعور بقيمة (الجمال) في فهمي وسلوكي
...

ختاما:
الإنسان (أيا كان، مسلما أو غير مسلم) يحتاج لإشباع نوعين من الحاجات، كما يشير إلى ذلك أبراهام ماسلو في (سلّم الحاجات):

- الحاجات الأساسية: الأمن والحماية، والانتماء، والحب، والاحترام، واحترام الذات، والهوية، وتحقيق الذات
- الحاجات المعنوية: الحق، الخير، الجمال، العدالة، النظام، القانون، الوحدة، ...

وفي اعتقادي أنه بقدر الشعور والإدراك اليقيني بقيمة القرآن الكريم ودوره في إشباع هذه الحاجات، يكون تذوق القرآن وتحصل اللذة...

ولعل فقدان هذه الحاسة مرده الأساسي، أننا ما قدرنا القرآن حق قدره، وما قدرنا الله حق قدره.

* محمد بن جماعة

2010/07/04

لقب "الشيخ" و"الإمام" في ثقافتنا الشائعة

من بين المسائل التي لا تخطئها عينُ الملاحظ في مساجدنا وفي أنشطتنا الاجتماعية والدينية، شيوعُ استعمال لقب "الشيخ"، و"الإمام"، و"الأستاذ" في مخاطبة بعض الإخوة المعروفين بتقديم الدروس والمحاضرات الدينية، لدرجة أصبح يصعب الحديث مع بعضهم، بدون أن يسبق هذا اللقب اسم الرجل. بل أصبح هذا الأمر بمثابة المزج بين "رتبة علمية" و"وظيفة اجتماعية" أو "دور اجتماعي" في صفوف الجالية، يجب الحرص على التذكير بها، سواءٌ عند مخاطبة صاحبها، أو عند تقديمه في المجالس، أو عند الإعلان عن مشاركته في بعض الأنشطة والدروس والمحاضرات.

ولو كان هذا الأمر من باب الْمُوادَّة أو التقدير العفوي لكان أمرا طيبا ومقبولا. غير أنه يصبح ظاهرة جديرة بالتنبه إليها حين يصل الأمر إلى المبالغة والإكثار والحرص، خشية وصولها إلى حالة من "التَّقدِيس الخفيِّ" من قبل مستخدِم هذه الألقاب، أو حالة من "العُجْبِ الخفيِّ" لدى مَن يخاطَب بها.

* * * * * * *

وقد ذكّرني هذا السلوك بحوارٍ عفوي حول موضوع الألقاب العلمية، دارَ منذ بضع سنوات بيني وبين عدد من أصدقائي، الأساتذة الجامعيين في اختصاص التفسير والدراسات القرآنية، في عدد من الجامعات الإسلامية في العالم العربي. وكانت عمومُ التعليقات معبرةً عن تحسّرها على ضياع لقب "الشيخ"، في مقابل الحرص على استعمال لقب "الدكتور"..

فقد ذكر لنا أحدهم، وهو أستاذ في التفسير، مقالة قديمة نشرت في جريدة الرياض، للدكتور محمد بن عبدالرحمن الشامخ، أستاذ الأدب بجامعة الملك سعود، يقول فيها:

((لقب "الشيخ" ولقب "الدكتور" لقبان متنافران. أما الأول، فلقبٌ عربي كريمٌ رعت نشأتَه أروقة المساجد وحلقاتها العلمية. وأما الثاني، فهو في أصله لقب كهنوتي عاش طفولته في كنائس النصارى ومعابد اليهود.

وقد مشى "الشيخ" على الأرض العربية الإسلامية هوناً، تضفي العباءةُ عليه وقارها، وتزيده العِمامةُ العربية سكينة وبهاءً.

أمّا "الدكتور"، فقد وفد إلى ديار الإسلام في عصرها الحديث، فأقبل يتخايل في مسيرته، وصار يزهو بردائه الجامعي، ويترنح فرحاً بقبعته الأكاديمية.

وإذا كان الخذلان الفكري قد مكّن للقب "الدكتور" من أن يصبح أداة من أدوات الخيلاء الثقافية في ديار الإسلام، فإن من أضعف الجهد أن يجد هذا اللقب الطارئ من يذوده حين يتسلل إلى مجال العلوم الإسلامية متشبثاً ببُردةِ مُفَسِّرٍ، أو عباءة محدث، أو جبة فقيه، ممن خلعت عليهم جامعاتهم الإسلامية لقباً كنسياً وجردتهم من صفة "عالم" التي وصفهم الله بها، وكرمهم بالانتساب إليها.

وقد يغض المرءُ الطرف كارهاً عما شاع من استخدام اللقب في ميادين العلوم الدنيوية، ولكن في السكوت عن اقتحامه لمجالات العلوم الإسلامية تهاوناً في مراعاة ما أمرنا به من مخالفة اليهود والنصارى)).

ثم قال الصديق، مبديا اتفاقه مع هذا الرأي:

((كم أتوق لرؤية جامعاتنا الإسلامية وأقسامها العلمية وقد عادت لتحتفي بالألقاب الإسلامية النابعة من صميم تراثنا العلمي الإسلامي، وقد زالت عنها وعن درجاتها العلمية عقدةُ الحفاوة بالألقاب الغربية)).

فذكر آخر، في سيرة أحد أساتذة التفسير في السعودية، أنه كان إذا كتب أمام اسمه حرف الدال (دلالةً على رتبة الدكتوراه التي يحملها) فإنه يقوم بشطبه بيده، ولا يرى أن يكتب أمام اسمه هذا اللقب العلمي، مع كونه من أوائل الحاصلين على الدكتوراه والأستاذية، وعلمه وفضله أشهر من أن يُدَلَّ الباحثون عليه.

وقال آخر:

((إن مجلة الدراسات اللغوية التي يرأس تحريرها الأستاذ الدكتور تركي بن سهو العتيبي وتصدر عن مركز الملك فيصل للدراسات الإسلامية، قد ارتضت في منهجها إغفال ذكر هذه الألقاب العلمية قبل أسماء الباحثين، وأشار رئيس التحرير في تقديمه للعدد الأول منها إلى هذا الأمر مع حفظ ألقاب الباحثين المشاركين، مع كون أغلب من ينشر بحوثه في هذه المجلة من الأكاديمين الحاصلين على شهادات الدكتوراه وما فوقها من الرتب الأكاديمية . ولذلك تجد على غلافها الداخلي أسماء القائمين على أمر المجلة والباحثين دون ألقاب علمية.

وعند نشر البحث يكتفى بالتعريف بالباحث تحت اسمه بذكر رتبته العلمية.

وهذه خطوة عملية من القائمين على أمر هذه المجلة اللغوية في سبيل التخفف من ترسيخ هذه الألقاب الوافدة على ارأي القائلين بذلك من الباحثين)).

فعلّقتُ على ذلك، قائلا:

((ما أشرت إليه، أخي العزيز، وتقوم به مجلة الدراسات اللغوية، هو ما يجري العمل به في الجامعات الدولية الغربية. فعند كتابة فهرس البحوث العلمية، يذكر اسم الباحث فقط بدون إشارة إلى درجته العلمية. وعند نشر البحث يتم ذكر الدرجة العلمية.

لذلك فلا أرى علاقة للأمر بالتخلص من الألقاب الوافدة.

وفي الحقيقة، لم أفهم موطن الإشكال في استعمال الألقاب العلمية: أهو حرج شرعي؟ أم رغبة في معرفة الأعراف الجارية لاستخدامها؟ أم رغبة في الحفاظ على الأصالة وعدم التشبه بالآخرين؟))

ثم قلت:

وعلى كل، أود أن أعرض هنا نظرتي الخاصة للألقاب عموما.. فالحكم على الأوصاف لا يخرج عن أحد الأقسام التالية:

- فإما أن يتفق على استحبابها في حق الرجل لصدقها ودقتها في التعبير عن ميزة الموصوف بها وفضله،

- أو أن يختلف في استحبابها لاعتبارات ذوقية أو للاختلاف في تقويم الرجل نفسه،

- أو يختلف فيها للمبالغة التي قد تصل إلى حدود تستدعي الحذر.

ولعلكم ترون كم يصعب في عصرنا العدل في مدح الآخرين.. بل وحتى في العصور السابقة.. ويخيّل إليّ أن الوحيد الذي استطاع أن يكون صادقا ودقيقا في كل الأوصاف التي مدح بها معاصريه هو الرسول (صلى الله عليه وسلم).

والألقاب التي نستعملها نحن المسلمين ليس ألقابا (موضوعية) وانما هي (ألقاب عاطفية). ولعل هذا هو سر اختلاف استعمال لقب (الدكتور) عند المسلمين وعند الغرب. فالكثير من المسلمين يلهث وراء لقب من الألقاب (حتى وإن غلف لهثه بشيء من الوقار والتواضع المتكلف). أما في الغرب فاستعمال الألقاب (وخصوصا: الدكتور) لا يتم إلا في الإطار الأكاديمي أو الوظيفي، لتمييز القيمة العلمية للبحوث.

واستعمال هذه الألقاب عند الغرب هو استعمال (وظيفي) أكثر منه (تشريفي). أما عند المسلمين فهو تشريفي في أغلب الأحيان.

ولا أخفيكم مدى تحرجي من استعمال عبارات من قبيل: صاحب الفضيلة، وفضيلة الشيخ، وسماحة الشيخ، وسماحة الوالد، والداعية الشهير، والحبيب فلان، إلى غير ذلك من الألقاب التي لا أجد لها أي مبرر.

كما أجد حرجا شديدا عند سماع خطيب يخاطب المصلين: (يا أحباب رسول الله)، لما فيها من ابتذال وامتهان لهذا المفهوم عند مخاطبة من ليس بأهل لهذه العلاقة الروحية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن أكثر الألقاب التي أنفر من استعمالها (وأرجو ألا ينزعج أحد لذلك) هي: شيخ الإسلام، وحجة الإسلام، وكل الألقاب التعظيمية المشابهة لأحد الرجال. فالدين ليس في حاجة لرجل أو امرأة كي يقيم الحجة على الناس، وليس من حجة على الناس سوى عبد الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم). والإسلام ليس له شيخ، ولا يجوز بحال ربط الدين بالأشخاص في أذهان الناس، إلا برسول الله صلى عليه وسلم، لأنه الشهيد الوحيد والحجة الوحيدة علينا: (لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيدا).

ولو كان الأمر متعلقا بألقاب السلاطين والملوك، لزال العجب. أما أن يحرص علماء الدين على استعمال هذه الألقاب كلما ذكر اسم ابن تيمية أو الغزالي، أو غيرهما، فهنا موطن العجب، لمناقضته لنهي الإسلام عن التكلف، ونهيه عن تعظيم البشر.

بل أرى أن الحرص على استعمال لقب (شيخ الإسلام) كلما تحدثنا عن ابن تيمية، لا يختلف في شيء عن تقديس الصوفية لمشايخهم. وكلا الأمرين مذموم.

وأكثر من ذلك: لا أخفيكم أيضا عدم حرصي على الترضي كلما ذكر اسم أحد الصحابة، لعدم وجود أي مبرر لذلك من القرآن والسنة. بل حتى الآية التي تتحدث عن أهل بيعة الرضوان، لا تستدعي أن نلتزم هذا الترضي. وأعتبر أن هذه العادة جاءت ردة فعل فقط على من يسبون بعض الصحابة من الشيعة. وفي تقديري، لا يليق بالمسلم أن يعتمد الفعل ورد الفعل كمنهج سلوكي مهما كان الظرف، وردات الفعل السلوكية لا تؤدي إلا إلى الانحراف المنهجي.

وإن كان الترضّي الوارد في القرآن الكريم، قد ورد في سياق الحديث عن الصحابة في الموضعين التاليين:

- وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (سورة التوبة:100).

- لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْـزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (سورة الفتح:18).

فإنه لا يفيد بحصر رضى الله عز وجل في الصحابة. بل إن رضى الله شامل للمؤمنين، بدليل نفس الآية وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ، وبدليل الآية في سورة البينة:

- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ .. جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (سورة البينة:7-8).

وفي كل الحالات، ليس هناك ما يفيد من الآيات القرآنية الحثَّ على التزام صفة الرضوان أو الترضي عند الحديث عن الأشخاص.

وإن كان من أمر حث الإسلام على التزامه تجاه الصحابة، فهو الاستغفار لهم، وليس الترضي عنهم:

- وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (سورة الحشر:10).

أما عن ألقاب (الدكتور) أو (الأستاذ) أو (الشيخ) فلا أستعملها إلا من قبيل الْمُوادَّة، وحفظ مقامات الناس عند مخاطبتهم. أما عند الحديث عنهم مع الآخرين، فلا تهمني هذه الألقاب لا من قريب ولا من بعيد، لأن احترامي للأشخاص ليس مقترنا بنوعية الألقاب التي أضيفها إليهم.

وفي المقابل: كم يعجبني عدم التكلف لدى الغربيين الذين أخالطهم في مكان إقامتي، حيث يخاطب بعضهم بعضا بلا ألقاب، حتى في المحافل الأكاديمية، ولا يتم التطرق إلى الألقاب العلمية إلا نادرا.

ويبقى لقب أخير (أو صفة أخيرة) كثيرا ما أتوقف عندها، ولا أستعملها إلا بعد التحري، وهو (أخي في الله).

فكثيرا ما يستعمل هذا اللقب بلا روح. وكم تشمئز نفسي ممن يصدرون حديثهم مع الآخرين بـ(أخي فلان) أو (أخي الحبيب) أو (أخي العزيز) إلخ، ثم لا تسمع منهم في باقي كلامهم إلا الأذى والاستفزاز والتحقير، بما يناقض مفهوم الأخوة وومستلزماتها. ويخيل إلي أن أغلب المتدينين يستعملون هذه الصفة من باب (النفاق الاجتماعي) لا غير.

لذلك، فإنني أتحرز (وأدعو إلى التحرز) من استعمالها، فلا تستعمل إلا عند استحضار معاني الأخوة بمسئولية وأمانة في التعامل مع الآخرين.

وحين انتهيت من قولي، انبرى أحدهم للتعليق على كلامي، ظنا منه أنني أتأذّى من الترضي على الصحابة، ومن التعبير عن الأخوة في الله. فقلت له موضحا:

((أرجو ألا تحرف كلامي بتغيير بعض ألفاظه فتتهمني بما لم أقل. ولو اكتفيت بقراءة ما في السطور عوض البحث عما بين السطور لكنت أعدل:

1- فليس في كلامي (أو في مدلول كلامي) ما يعني أنني أتحرز من كل شخص سوى النبي (صلى الله عليه وسلم)،

2- وليس في كلامي (أو في مدلول كلامي) ما يفهم منه أنني أتأذى من الترضي عن الصحابة،

3- ولك أن تعجب من مقارنتي بين عبارة (شيخ الإسلام) والعبارات الأخرى المستعملة عند الصوفية،

4- وبالنسبة إلى عبارتي (سماحة الوالد) و(فضيلة الشيخ) فقد ذكرت في كلامي أنني أتحرج من استعمالهما ولا أجد مبررا لاستعمالهما. وهذا يعني أن موقفي من العبارتين ذاتي، وذوقي. أضف إلى ذلك أنني لا أجد أي فصاحة في العبارتين عندما تسبقان اسم العالم. فهل نعني بها أنه يجسد كل ما في الوالد من سماحة مع ولده؟ أو كل ما في الشيخ من الفضل؟ فلو كان الأمر كذلك، فهل العبارة فصيحة أو بليغة؟ شخصيا لا أرى ذلك.

5- وأما عن مخاطبتي بـ(أخي في الله)، فهي مما تسعدني ولا تؤذيني، عندما أُحسُّ من قائلها صدقَ المشاعر وتصديقَ الأفعال. وما أدعو إليه هو إخراجها من دائرة الاستعمال الروتيني الذي يُجريها على ألسنة الكثير من المسلمين بحكم العادة، إلى دائرة الاستعمال الواعي الذي يستشعر معانيها ومقتضياتها كلما خاطبنا بها أحدا من المسلمين، وإلا أصبحت العبارة مبتذلة، وحينها فقط، (أي حين تكون العبارة مبتذلة)، فمن الطبيعي أن تؤذيني، إلا إذا أردتني أن أكون بليد الإحساس أو عديم الإحساس.

* * * * * * *

وأعود هنا لمحلّ الشاهد، وهو المتعلق باستعمال لقب "الشيخ" و"الإمام و"الأستاذ" في مخاطبة بعض الإخوة المعروفين بتقديم الدروس والمحاضرات الدينية في مدينتنا، لأقول:

• أمّا توقيرُ العلماء وأهل الفضل وموادتهم، فهو من شعب الإيمان، ومكارم الأخلاق. ولا يوجد اختلاف حول هذا الموضوع.

• وأما تكنية العلماء والإخوان بما يحبّون، وإسباغُ الأوصاف الحميدة عليهم، والثناءُ عليهم، والدعاءُ لهم، وذكرُ فضلهم ومآثرهم، فحبّذا لو ينتشر بيننا هذا الأدبُ، بدون مبالغةٍ ممجوجةٍ أو إفراطٍ مبتذَل.

• ولكن ما أراه في واقع حالنا، أن التزام تلقيب بعض الإخوة بالشيخ والإمام والأستاذ، أصبح داخلا في المبالغة الممجوجة، والإفراط المبتذَل، وهو تشبيعٌ للملقَّب بما لم يُعطَ، وإكسابٌ له هالةً ليست له..

• ويصبح هذا الأمر أعجب في حالتنا كمسلمين يعيشون في الغرب عموما، والحال أننا ندرس في جامعات ترتفع فيها الكلفة بين الأستاذ والطالب، ونعمل في مؤسسات ترتفع فيها الكلفة بين المدير والموظف، فيتعامل الجميع بدون ألقاب، ويكتفون بتكريس علاقة الزمالة، وروح التعاون المثمر الذي لا يتفاخر فيه العالم بعلمه، ولا المدير برتبته الإدارية، وإنما يرى الجميع أنفسهم أعضاء فريق متكامل. فما الداعي إذن لهذا السلوك المتناقض، الذي يجعل نمارس سلوكا مّا في شبكة علاقاتنا الطبيعية، ونمارس سلوكا مختلفا عنه حين نكون في إطار الإسلامي؟ أليس سلوك الغربيين في هذا الأمر أقرب لروح الإسلام الذي ينهى عن التفاضل بين الناس؟

• وإذا كنت أرى أن لقب "الشيخ" أصبح مبتذلا، نظرا لكون أنه أصبح يستعمل في وصف كثيرين ممن ليسوا أهلا لذلك. فإنني أرى أن أخطر هذه الألقاب هو لقب "الإمام". فهذا اللقب له في تاريخ المسلمين استعمالات ثلاثة:

o فقد كان في بدايته يعبّر فقط عن وظيفة الإمامة الدينية والسياسية، بمعنى "الحاكم" و"وليّ الأمر".

o ثم، بدأ هذا اللقب يشيع ليعبّر عن وظيفة الإمامة الدينية دون السياسية، بمعنى "الفقيه" و"العالم المتبحّر" و"المرجع الديني".

o ثم اتسعت دائرة استعمال هذا الوصف، لتشمل جميع من يخطبون في الناس ويؤمونهم في الصلاة.

لذلك، أدعو للتخلي عن هذه الألقاب، أو على الأقل للاقتصاد في هذه الألقاب، والحذر من التزامها، كي لا تكرّس في الشعور واللاشعور نوعًا من الطّبقية والترتيب التفاضلي بين الناس. ولو كان ذكر هذه الأوصاف مشروعا لالتزمها الصحابة والتابعون، غير أنهم لم يكونوا يستعملون أيا منها.

وما أشبه اليوم بالأمس.. فقد قال ابن قيم الجوزية، في كتابه "بدائع الفوائد" (3/1126):

((قال قائل: أراني إذا دعيتُ باسمي دون لقبي شق ذلك علي جدًا بخلاف السلف؛ فإنهم كانوا يدعون بأسمائهم.. فقيل له: هذا لمخالفة العادات؛ لأن أُنْس النفوس بالعادة طبيعة ثابتة، ولأن الاسم عند السلف لم يكن دالا على قلة رتبة المدعو، واليوم صارت المنازل في القلوب تعلم بإمارة الاستدعاء، فإذا قصَّر دل على تقصير رتبته فيقع السخط لما وراء الاستدعاء، فلما صار المخاطباتُ موازينَ المقادير؛ شق على المحطوط من رتبته قولاً، كما شق عليه فعلاً))..