حدثني أحد الأصدقاء الكنديين وكان قسّيسا مسيحيا وأسلم منذ سنوات طويلة، أنه يدخل رمضان هذا العام بحالة نفسية مرهقة كثيرا، نتيجة خيبات الأمل المتكررة فيمن عرفهم من المسلمين، ونتيجة عدم عثوره على أي إطار روحي وديني يوفر له ما يحتاج إليه من الزاد العقلي والروحي والنفسي والاجتماعي.. مما جعل إيمانه يهتز ويضعف لأدنى درجاته..
وحدثني نفس الشخص قبل ذلك باسابيع عن حالات أخرى من الكنديين المتحولين للإسلام في مدينتنا، تخلوا عن الإسلام بعد صدمات كبيرة تعرضوا لها في ممارسة التدين في إطار الجالية..
قلت له: هذا ناتج لعدة اسباب من بينها:
1- ما يعرف في علم النفس بأزمة الأربعين (la crise de la quarantaine) والمتمثلة في تقييم الفرد لماضيه وحاضره ومستقبله، فتبدو له سنوات عمره الماضية وكأنها كابوس ثقيل، ويحد نفسه غير راض عما تحقق فيها، ويشعر أنه فشل فشلاً ذريعاً في تحقيق أحلامه على كل المستويات وأنه كان يجري وراء سراب.. حتى المبادئ والقيم التي أسلم وناضل من أجلها تبدو له شيئاً باهتاً، فلم يعد يرى لها القيمة نفسها، ولم يعد متحمساً لشيء ولا مهتماً بأي شيء ذي قيمة في المستقبل.. ويجد نفسه منطفئ الحماس ويكتشف أن الناس لا يستحقون التضحية من أجلهم، وأن المبادئ التي عاش لها لم يعد لها قيمة في هذه الحياة، وأن رفاق الطريق قد تغيروا وأصبحوا يبحثون عن مصالحهم ومكاسبهم بأي شكل وتخلوا عن كل مبادئهم وشعاراتهم التي رفعوها إبان فترة شبابهم، ولم يعد يخفف عنه آلام هذه المشاعر غير الوقوف بخشوع في الصلاة وتلاوة القرآن..
2- إصرار المسلمين المهاجرين والمستقرين بكندا على التمسك بموروثاتهم الثقافية من بلاد العرب والهند وإفريقيا وغيرها، واختلاط التدين بالعادات الثقافية والاجتماعية، مما جعل الكنديين المتحولين للإسلام يعجزون عن التمييز بين التدين وبين العادات الثقافية التي لا يستطيعون التأقلم معها.. باعتبار أن من حقهم هم أيضا التمسك بعاداتهم الثقافية الكندية والحياة بنمط عيش إسلامي متكيف مع ثقافتهم المحلية.
3- فشل المؤسسات والجمعيات الإسلامية عن التأسيس لخطاب إسلامي سليم تنسجم فيه القيم والسلوكيات، ويبتعد عن الأسلوب الوعظي التلقيني البارد، ويتلاءم مع واقع التنوع الإسلامي الذي تتكون منه الجالية المسلمة، ويحفز الأفراد والجماعات على الاندماج والفعل الاجتماعي المتميز..
كل ما يراه هؤلاء المتحولون في واقعنا هو: الاختلاف، والمشاكل، والصراعات المذهبية والفقهية، والحروب، والتطرف والتشدد، الخطب الجمعية الباهتة الباردة، والنشاط الاجتماعي الفوضوي، إلخ..
وإذا كان المسلمون يعانون من وضعهم كأقلية في المجتمع الكندي.. فهؤلاء المتحولون يجدون أنفسهم في وضع الأقلية داخل الجالية المسلمة.. فتصبح أزمة الهوية وأمة الانتماء لديهم مضاعفة: فلا هم مرتاحون لانتمائهم الكندي، ولا هم مرتاحون لانتمائهم الإسلامي..
فتنة أجد نفسي أمامها حائرا ضعيفا لا أملك ما يمكن أن أساعد به..
Aucun commentaire:
Publier un commentaire