2- مدخل: وظيفة خطبة الجمعة
لخطبة الجمعة دور هام وأثر عميق في تشكيل فكر المسلم وسلوكه، خاصة وأن حضورها فرضُ عين. فهي مصدر طاقة فكرية وعاطفية بعيدة المدى، ومعانيها تنساب إلى النفوس في لحظاتٍ يفترض فيها أن تكون مناسَبةً للانعطاف إلى الله وتقبّل وصاياه، وتعميق الشعور بالانتماء إلى جماعة المسلمين، والتركيز على ما يوحّدهم ويبصّرهم بأولوياتهم وهمومهم المشتركة.. ولذلك، فخطبة الجمعة تساهم بنصيب وافر في تثقيف المسلمين وتوجيههم وتشكيل عقليتهم الجماعية.
غير أن الدور التربوي والإعلامي لمنبر الجمعة تراجع لأسباب عديدة ومتنوعة، حتى أصبح البعض يحضر لخطبة الجمعة إما مكرها، وإما لأداء واجب لا غير، بدون أن يتوقع أن تحرك فيه المواضيع ساكنا أو تغير من واقعه نحو الأفضل الذي يبتغيه الإسلام.. ففي بعض الأحيان يأتي المسلم إلى المسجد يوم الجمعة، كضرب من الروتين والعادة، نتيجة فقدان خطبة الجمعة لروحها ومهمتها ورسالتها.. يحضر فيستمع ثم ينصرف، غير مكترث لما قيل، ولا منتفع بما قيل.. ولعل الغالبية معذورة في كثير من الأحيان.. فكثيرا ما تكون المواضيع متكررة، ومملة، ولا تحرّك العواطف والعقول، ولا تنبّه الأحاسيس. وكثيرا ما تكون الخطب سطحية ومرتجلة، وتركّز على الجزئيات..
كثيرون يحكمون هكذا على ما يستمعون إليه في خطب الجمعة.. ولا شك في أن هذا الانطباع السلبي له ما يبرره في بعض الأحيان، وإن اختلفت المبررات والمنطلقات.. وعموما فإن هذا الانطباع السلبي يعود إما إلى الخطيب وثقافته الشرعية والعلمية، أو أيضا إلى المستمع وثقافته الشرعية والعلمية.. غير أننا جميعا نحتاج إلى تجاوز السلبيات الموجودة كي يعود لخطبة الجمعة أثرها وقيمتها في في حياتنا وسلوكياتنا اليومية..
فصلاة الجمعة شعيرة دينية مفروضة، هدفها: ((تشكيل وعي مشترك ورأي عام موحد حول القضايا والأحداث والأولويات، من أجل بناء مجتمع الخير، مجتمعٍ متعاونٍ، مجتمعٍ نشيطٍ وفاعل، ومن خلال تجميع الغني والفقير، والرجل والمرأة، والكبير والصغير، والمثقف والبسيط، وتوعيتهم بالتوجيهات القرآنية والنبوية التي تحث على التوازن في الحياة بالإسلام، ومن أجل الإسلام، على ضوء المقاصد الثلاثة الكبرى: (التوحيد والتزكية والعمران)، أي:
- توحيد الله عز وجل على أساس أنه خالق الكون والإنسان والحياة،
- وتزكية الفرد والجماعة وحمايتهما من مرضي (الطغيان) و(الاستضعاف) بما يعني تطوير القدرات وتهذيب الأخلاق وتصويب السلوك والقيام بالأعمال الصالحة النافعة،
- من أجل عمران الأرض في أي مجال من مجالات العمران، وهو ثمرة التزكية القائمة على التوحيد)).
تلك هي رسالة خطبة الجمعة ووظيفتها.
Aucun commentaire:
Publier un commentaire