2010/08/22

خطب الجمعة: مسئولية الجودة وقياس الأداء (3/7)

3- الأخطاء العشرة في خطب الجمعة

يشكل واقع خطب الجمعة في العالم الإسلامي عموما، وفي جالياتنا المسلمة في الغرب خصوصا، صورةً مضطربةً تحتاج إلى كثير من المقومات السليمة.. فالمساجد تتزايد باستمرار، وتتزايد معها المنابر الإسلامية. لكن هذه المنابر لا تستثمر الاستثمار الكافي، والخطباء الذين يتحدثون من خلالها أكثرهم ليسوا على مستوى الخطابة بمعناها الصحيح، بل قد تجد فيهم من لا يدرك معنى الخطابة كفنّ من فنون الإعلام والدعاية. ولذلك، تكثر الأخطاء في أداء الخطباء وتتكرر.

وفي ما يلي عرض سريع لأهم عشرة أخطاء يقع فيها الخطباء:

1. الارتجال بلا كفاءة:
2. عدم التوازن في طرح المواضيع:
3. غياب قواعد التفكير السليم في الطرح
4. التكرار والرتابة في المواضيع
5. المبالغة في الانفعال العاطفي والحماس
6. عدم التناسق بين انفعالات الخطيب وموضوع الخطبة
7. عدم مراعاة جمهور الخطبة
8. عدم مراعاة التائبين والمهتدين الجدد
9. استهلاك الخطبة في القضايا الخلافية والحزبية
10. الإطالة

1. الارتجال بلا كفاءة:

يحتاج الارتجال إلى موهبةٍ خاصة ومرانٍ طويل، وخلفيةٍ ثقافية واسعة تسعف صاحبها في الوقت المناسب، وتمدّه دائماً بما يريد قوله وتوضيحه. ومع ذلك، فحتى الخطيب البارع قد يقع في ارتباك أثناء خطبته عندما تخونه الذاكرة فتضنّ عليه بشاهدٍ أو تعبيرٍ دقيق للمعنى الذي يريد أن يوصله إلى الجمهور.

غير أن بعض الخطباء يظن الأمر أسهل من هذا، وأن حصيلته الثقافية المتواضعة تكفيه، وأن جرأته الأدبية وقدرته على مواجهة الجمهور تعوّضه عن دقيق التعبير وعميق المعنى، فيعتلي المنبر ليقدم خطبة يتحدث فيها عن أفكار واستشهادات لا تمت لبعضها بصلة، متوهما أنه طالما لم يتلعثم ولم يرتبك، فقد أدى المطلوب. وهذا خطأ، لأن الجرأة الأدبية والقدرة على مواجهة الجمهور -كعامل إضافي ومساعد في شد الانتباه والتأثير- قد تفقد قيمتها إن لم تتوفر الشروط الأخرى للخطبة الناجحة.

ولذلك، فليس منتقِصا من قيمة الخطيب أن يمسك بورقةٍ صغيرة يكون قد رتّب فيها أفكاره، أو ورقةٍ كبيرة صاغ عليها خطبته ليقدّم خطبة مترابطة مؤثرة، بدلاً من إهدار منبر الجمعة في الارتجال العشوائي دون كفاءة أو ثقافة كافية.

2. عدم التوازن في طرح المواضيع:

فكثير من الخطباء لا ينهجون في خطبهم منهجا متوازنا شاملا، يعرضون من خلاله مختلف الأفكار والمعاني التي يحتاج المسلمون في المدينة للإلمام بها، بهدف تكوين وعي إسلامي مشترك ورأي عام موحد تجاه القضايا والأحداث والأولويات، بل يقعون، على العكس من ذلك، أسرى لبضعة مواضيع قد تكون هامة وقد لا تكون، مما يحدث الملل لدى الجمهور الذي يعاني من الخطب التي لا جديد فيها. وهناك من الخطباء من يهمل في موضوعاته أحداث الساعة التي تمسّ واقع المسلمين ووجودهم وهمومهم، فلا يجد الحاضرون في الخطبة متنفساً لمشاعرهم العارمة وآلامهم الغائرة، مما يؤثر سلبيا على تفاعلهم معها.

3. غياب قواعد التفكير السليم في الطرح

فمن المعلوم أن العقل يمثل الأداة الوحيدة لهضم الأفكار والمعاني. ورغم ذلك، فكثير من الخطباء لا يحترمون عقول مستمعيهم، ولا يبنون أفكارهم واستنتاجاتهم على أسس منطقية مقنعة، ويسعون بدلا من ذلك لشحن الجمهور عاطفياً بدون إقناعهم بشكل منطقي واضح ونزيه، متجاهلين كون العاطفة عاملا متغيرا يتأثر بالظروف المحيطة، وينتهي مفعوله بعد حين، في حين أن الإقناع المنطقي هو العامل الثابت لكونه يستمد ثباته من الحقائق التي لا تتغير بتغيير الزمان والمكان.

4. التكرار والرتابة في المواضيع

من الخطباء من يلقي خطباً مكررة، ويطرق مواضيع محددة، ولو غبت عنه سنوات طويلة، وعدت إليه لوجدته يتكلم في نفس المواضيع، ويستعمل الأمثلة والتشبيهات نفسها التي استعملها في المرة الأولى. ومنهم من يعتلي المنبر ليقرأ خطبا نسخها من مواقع الإنترنت، فتجده كالقارئ يتلو صفحة من كتاب.

5. المبالغة في الانفعال العاطفي والحماس

فالخطباء المتحمسون يبالغون في حماسهم، وينفعلون عندما لا يطلب الانفعال، ويعتقدون أن الخطابة هي شحن الجمهور بشحنات الحماس، فيحرّكون شعور المستمع ولا يبلغون عقله.. والحقيقة أن الحماس وسيلة وليس غاية، وأن المشاعر تأتي وتذهب، بينما الأفكار هي الأبقى ما دامت تجد مكانها في العقل السليم.

6. عدم التناسق بين انفعالات الخطيب وموضوع الخطبة

فإذا جاز القول إن الخطبة هي فنّ نقل الكلمة إلى المستمع بحرارتها، وإيصالها إليه حيّةً مفعمةً بالعاطفة المناسبة، فهذا لا يعني افتعال الحماس، والصراخ أمام مكبر الصوت، كما يفعل عدد من الخطباء بلا مبرر. وقد يكون الموضوع المطروح لا يحتاج إلى هذا الانفعال كلّه، مما يشعر المستمع بالافتعال في الانفعال فلا تستقبل نفسه المعنى المطروح الاستقبال المناسب، بل قد ترفضه في بعض الأحيان. ونفس الشيء يقال أيضا عن الخطباء الذين لا يعطون المعاني حقّها من الانفعال، فيلقونها ببرود شديد يعوق نفاذَها إلى أعماق المستمع وأحاسيسه.

7. عدم مراعاة جمهور الخطبة

فعملية الخطبة عملية ثنائية يشترك فيها الخطيب والجمهور. والجمهور عنصر مهم، وقد يكون الأهم في هذه العملية، فإذا لم يتأثر بالخطبة وجدانيا وفكرياً، لم تحقق الغاية المرجوة منها. وكثير من الخطباء لا يملكون معرفة دقيقة بأنماط الناس الذين يرتادون مسجده، ليقوموا باختيار الموضوع المناسب واللغة المناسبة.

8. عدم مراعاة التائبين والمهتدين الجدد

فالمسجد يستقبل دوريا أفواجاً من التائبين الذين استيقظت في نفوسهم بذور الإيمان، وصحا في وجدانهم الانتماء للإسلام. وأول ما يفكر فيه هؤلاء لإرواء شوقهم إلى التدين هو المواظبة على خطبة الجمعة. لكن عدداً من الخطباء لا ينتبهون لهذه الظاهرة، ولا يراعون في خطبهم هذه الشريحة من الرواد التي تتميز نتيجة حداثة عهدها بالإسلام، بكونها شديدة الحساسية وسرعة التأثر، وقد وقد تنفّرها السلبياتُ التي تحدثها خطبة الجمعة. ولذلك فقد تؤدي الإطالة في غير موضعها، أو عدم الموضوعية في الطرح، أو الانفعال المفتعل، أو الخوض في الخلافيات والقضايا الحزبية، إلى توليد مشاعر نفور وخيبة أمل في المرجو من خطب الجمعة، مما يؤدي إلى ابتعادها مرة أخرى عن المسجد.

9. استهلاك الخطبة في القضايا الخلافية والحزبية

فبعض الخطباء يصّرون على نقل خلافاتهم المذهبية والفقهية والفكرية والحزبية، بل والشخصية أحياناً، إلى المنابر ليشغلوا الحاضرين بقضايا هامشية، أو شكلية، أو اجتهادية، أو شخصية، وليزرعوا في نفوسهم الإحباط واليأس من الواقع الإسلامي المتدهور بسبب خلافات المسلميين.

10. الإطالة

فبعض الخطباء يطيل دون أن يستحق الموضوع المطروق الإطالة، مما يورث الناس الملل والضجر.. والأصل في حضور خطبة الجمعة أنه عبادة، لذلك يجب أن تكون النفوس بعيدة عن أي أثر سلبي.. والنفوس بطبيعتها البشرية تتفاوت في القدرة على التحمل والاستيعاب، لذلك ينبغي على الخطيب أن يكون واقعياً في تعامله مع جمهوره.


المرجع:
د: محمد عماد محمد – بحث بعنوان "خطبة الجمعة في العالم الإسلامي: ملاحظات لا بُدّ منها"، من كتاب "مقالات في الدعوة والإعلام الإسلامي" سلسلة كتاب الأمة، العدد 28

Aucun commentaire:

Publier un commentaire