2011/05/05

المؤسسة العسكرية وهيبة الشعب

تصريحات فرحات الراجحي (انظر في آخر هذه التدوينة) تفرض ملاحظتين سريعتين:


الأولى: الحكومة الحالية لا تتصرف كحكومة مؤقتة / حكومة انتقالية / حكومة تصريف أعمال، وإنما من الواضح أنها تدار من طرف أشخاص يريدون التلاعب والالتفاف على إرادة الشعب.. وهذا الأمر خطير، ويجب عدم السماح به.

لا حق لهذه الحكومة في فرض خيارات لا تحقق مطالب الشعب التي عبر عنها بوضوح منذ الأيام الأولى للثورة.

يجب أن يكون هذا الأمر واضحا، ويجب الإصرر والتذكير به في كل وقت وحين.

الثانية: مؤسسة الجيش متمثلة في شخص رشيد عمار يجب أن تصرّح علنا وبدون تلاعب، من خلال تصريح تلفزيوني، على التزامها باحترام إرادة الشعب وعدم التدخل في الشأن السياسي، وقبول اي نتيجة تؤدي بها صناديق الاقتراع، سواء أدى ذلك غلى فوز النهضة أو العمال الشيوعي أو أي حزب آخر..

هذا الالتزام الصريح والعلني يجب ن يكون مطلبا وطنيا قبل أي حديث عن الانتخابات.. ولنتذكر في هذا المجال دور المؤسسة العسكرية في تركيا، وكيف كان يجلب كثيرا من المتاعب للشعب التركي حين أعطى ثقته من خلال التصويت للعدالة والتنمية.. وقد أجبرت المؤسسة العسكرية على التصريح مرة تلو الأخرى لإثبات حسن نواياها والتزامها باحترام خيارات الشعب التركي..

وأوجه النداء لجميع من يخوّفون الناس من حركة النهضة على النوايا: أليس من الأولى محاسبة مؤسسة الجيش على النوايا؟
ما هو الأخطر: نوايا حزب سياسي لا يمكنه إلا الالتزام بالإطار السياسي الديموقراطي المتفق عليه؟ أم نوايا مؤسسة تملك القدرة على إيقاف أي مسار ديموقراطي بقوة الحديد والنار؟

أقول: أي نوايا مريبة من حزب سياسي يعمل في الإطار الديموقراطي المتفق عليه، والذي يحتكم لإرادة الشعب، يمكن إدراتها والتعامل معها..

ولكن أي نوايا مريبة من مؤسسة عسكرية (أكرر من مؤسسة عسكرية) لا يمكن لأحد أن يقدّر إمكانية احتكامها لإرادة الشعب.

لذلك أعتقد أن من الضروري مطالبة رشيد عمار بتصريح تلفزيوني يبدد فيها الشكوك ويعلن فيها التزامه الشخصي والتزام المؤسسة العسكرية باحترام إرادة الشعب أيا كان الحزب الذي سيفوز في الانتخابات القادمة

آن الأوان لفرض هيبة الشعب، وهيمنة سلطته على إرادة الأفراد وإرادة الأحزاب وإرادة المؤسسة العسكرية. يجب أن يعلم الجميع أنهم في خدمة الشعب، ولا أحد منهم يمكنه فرض وصايته على الشعب.




والجزء الرابع في هذا الرابط:
http://www.facebook.com/video/video.php?v=1836705610965

2011/04/24

تأملات في حديث نبوي: اضمنوا لي ستا أضمن لكم الجنة

هذه بعض التأملات السريعة حول عقد وضع شروطَه رسول الله (ص) ، ووعد من يلتزم بهذه الشروط أن يدخل الجنة يوم القيامة.

فقد أخرج ابن حبان في صحيحه عن عبادة بن الصامت أن رسول الله (ص) قال: "اضْمَنُوا لِي سِتًّا أَضْمَنْ لَكُمُ الْجَنَّةَ: 1- اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ، 2- وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ، 3- وَأَدُّوا إِذَا اؤْتِمُنْتُمْ، 4- وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ، 5- وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ، 6- وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ".

1- رسالة الإسلام أخلاقية بالأساس

كل من يقرأ القرآن الكريم وسنة النبي (ص) وسيرته يدرك أن تكاليف الإسلام تكاليف أخلاقية، بمعنى أن الإسلام يعوّل على السلوك الإنساني ليضبطه على مقتضى العدل والكرامة والحق والأمانة وغير ذلك من القيم الأخلاقية الإيجابية.

فرسالة الإسلام إذن رسالة عنوانها الأكبر: هو تزكية النفس على أساس التوحيد، أي إصلاح النفس وتطويرها وتنمية قدراتها، أو بمعنى آخر تهذيب السلوك الفردي، وتطوير القدرات الذاتية، من أجل عمران الأرض.

ولذلك فقد لخص النبي (ص) الغاية من بعثته المباركة إلى الناس كافة في عبارة واحدة: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". ففي الحديث عند مالك في الموطأ، وأحمد في المسند، وغيرهما:"إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلاَقِ"، وفي رواية أخرى عند البيهقي في السنن الكبرى: "إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ".

ينبه النبي (ص)، في الحديث الذي نحن بصدده، إلى أن الجنة ليس لها من سبيل سوى الخلق الكريم، وأن هناك ستة شروط أو بنود كفيلة لمن يلتزم بها أن يضمن الجنة، وهذه الستة هي: الصدق، والوفاء بالعهد، والأمانة، واحترام آداب العلاقة بين النساء والرجال، وعدم العدوان على الآخرين.

حين نتأمل ونبحث عن القاسم المشترك أو العلاقة بين هذه البنود الستة (الصدق والوفاء بالعهد والأمانة وحماية العلاقة بين الرجل والمرأة، وعدم إيذاء الآخرين)، يتبين لنا أنه يرسم معالم المجتمع المسلم الذي تتم فيه حماية كرامة الإنسان من كل تعدّ وكل تجنّ من الآخرين، حتى لو كان قلبيا ساكنا، أو بصرا ممدودا، أو لسانا سلاحه الكلمة، أو عملا ميدانيا تزاوله اليد.

وهذا أمر عجيب، لأن النبي (ص) كأنه ينبه إلى أمرين هامين:

- أولهما أن الفوز بالجنة مرتهن بمدى نجاحنا في شبكة علاقتنا الاجتماعية في الحياة الدنيا.

- وثانيهما: أن ما يوصل إلى السعادة في الحياة الدنيا هو نفسه الذي يؤدي أيضا إلى السعادة في الآخرة.

وقد لخص النبي (ص) الشروط التي تضمن السعادة في الدارين في البنود المذكورة في هذا الحديث: الصدق، والأمانة، والوفاء بالعهود والعقود، وحفظ العلاقة بين الرجل والمرأة، واجتناب إذاية الآخرين.

رسالة الإسلام إذن رسالة أخلاقية: "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق". وهي نفس الرسالة التي بعث سائر الأنبياء، فكل رسالات الأنبياء تمحورت حول هذا النظام الأخلاقي في حياة الناس، لأنه عندما تنتظم حياة الناس في نظام أخلاقي يحترم فيه الإنسان الإنسان، ويرحم فيه الإنسان الإنسان، ويعمل على أن يعيش من أجل أن يسرّ الناس ويقضي حاجاتهم ويتحمّل مسؤولياتهم، وهذا كله هو الذي يبني الحياة.

ولننظر معا إلى بعض الأحاديث التي تركز على قيمة حسن الخلق. فقد قال (ص): "مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ، وَإِنَّ اللَّهَ يَبْغَضُ الْفَاحِشَ البَذِيءَ ". رواه الترمذي عن أبي الدرداء.

ولما سئل (ص) عن أكثر ما يدخل الناس الجنة قال: " تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ ". ولما سئل عن أكثر ما يدخل الناس النار قال: " الفَمُ وَالفَرْجُ " رواه الترمذي عن أبي هريرة.

وقال (ص): " أَنَا زَعِيمٌ (أي ضامن) لِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ " رواه أبو داود عن أبي أمامة الباهلي.

وعنه(ص): "أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِخِيَارِكُمْ؟"، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاَقاً، الْمُوَطَّئُونَ أَكْنَافاً (أي المتواضعون) الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ (أي الذين يمتلكون سهولة في تكوين الصداقات والعلاقات الاجتماعية، ويرغب الآخرون في مصادقتهم والتعايش معهم)".

وقال الفضيل بن عياض :" لَأَنْ يَصْحَبَنِي فَاجِرٌ حَسَنُ الْخُلُقِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَصْحَبَنِي عَابِدٌ سَيِّءُ الْخُلُقِ".

وحسن الخلق يرفع صاحبه في الدنيا ويرزقه محبة الناس واحترامهم، ويرفع درجته في الآخرة ويثقل ميزان عمله الصالح، كما جاء في رواية صححها الألباني: "مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ، وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ (أي الذي يكثر من نوافل الصوم والصلاة)".

2- تعريف حسن الخلق

لقد لخص بعض الصحابة والتابعين والعلماء حسن الخلق في كلمات. فقال علي بن أبي طالب: "حسن الخلق في ثلاث خصال: اجتناب المحارم وطلب الحلال والتوسعة على العيال". وقال عبد الله بن المبارك: "هو بسط الوجه وبذل المعروف وكف الأذى". وقال أحمد بن حنبل: "حسن الخلق ألا تغضب ولا تحقد". وقال الإمام سفيان بن عيينة: "والبشاشة مصيدة المودة، والبر شيء هين: وجه طليق وكلام لين".

3- قيمة الأخلاق في عالم ملي بالحقد والعداوة والبغضاء

من الضروري أن نولي موضوع حسن الخلق جانبا كبيرا من اهتمامنا، نحن مسلمين، خصوصا ونحن نعيش في عالم مليء بالحقد والعداوة والبغضاء من حولنا. ولذلك فعلينا أن ننطلق من خلال القيمة الأساسية للإسلام، التي هي مكارم الأخلاق، لتسري فيما بيننا المحبة والرحمة والتكافل والتواصل والتضامن في كلّ قضايانا العامة والخاصة، سواء اختلفنا في المذاهب الإسلامية أو في الانتماءات أو الجنسيات، لأن الإسلام يريد منا أن نبني مجتمعاً يتحرك فيه الإنسان على أساس العدل والسلام، وقد اختصر الله تعالى طريق النجاح، فقال سبحانه: {وَالْعَصْرِ، إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [سورة العصر].

هذا هو الخطّ الذي يجب أن نأخذ به في أنفسنا وأهلنا ومجتمعنا والناس من حولنا، وبذلك نقتدي برسول الله(ص) الذي هو أسوتنا وقدوتنا.

4- من دعاء النبي (ص)

كان من دعاء النبي (ص) فيما رواه رواه مسلم عن علي بن أبي طالب أن يقول: "اللَّهُمَّ اهْدِنِي لِأَحْسَنِ الأَخْلاَقِ، لاَ يَهْدِي لَأَحْسَنِهَا إِلاَّ أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا، لاَ يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلاَّ أَنْتَ"..

ومن دعائه أيضا فيما رواه أحمد: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ صِحَّةَ إِيمَانٍ، وَإِيمَانًا فِي خُلُقٍ حَسَنٍ، وَنَجَاحًا يَتْبَعُهُ فَلاَحُ، وَرَحْمَةً مِنْكَ وَعَافِيَةً، وَمَغْفِرَةً مِنْكَ وَرِضْوَانًا".

2011/04/22

درس في الحياة

كل واحد بإمكانه أن يسقط في الحياة..
ولكن السقوط ليس هو المهم في حد ذاته، بل المهم هو كيف ستتعامل مع سقوطك:
هل ستعتبره نهاية المطاف في حياتك؟ أم ستعتبره مجرد عثرة بإمكانك النهوض بعدها؟

مثال: Nick Vujicic
رجل بلا يدين ولا رجلين


القرآن في رسائل دوستويفسكي قبل الحكم عليه بالإعدام.. وبعده

الجانب الظاهر من حياة المفكرين قد يؤدي إلى الحكم عليهم بالإلحاد والكفر.. غير أننا عند التعرف على بعض الجوانب الخفية منها، قد نفاجأ بتغير عجيب يجذبهم إلى دائرة الإيمان.. ولعل دوستويفسكي من هؤلاء..

عند مطالعة المقال التالي، تذكرت حديثا نبويا قد ينطبق عليه إن صح ما نقل عنه: (يعمل أحدكم بعمل أهل الجنة فلا يكون بينه وبينها قيد شبر فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها.. ويعمل أحدكم بعمل أهل النار فلا يكون بينه وبينها قيد شبر فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها)..
========
ملاحظة: احتفظت بهذه المقالة في أرشيفي منذ نشرها في جريدة الشرق الأوسط في سبتمبر 2007
غير أني بالعودة للرابط المذكور لم أجده في الموقع الجديد للجريدة
==============

رسائل دوستويفسكي قبل الحكم عليه بالإعدام.. وبعده
مراسلات صاحب «الجريمة والعقاب» كاملة باللغة الفرنسية
هاشم صالح

المصدر: جريدة الشرق الأوسط

صدرت مؤخرا في العاصمة الفرنسية مراسلات دوستويفسكي الكاملة. وقدم للترجمة الفرنسية البروفيسور جاك كاتو احد المختصين الفرنسيين بالكاتب الروسي الشهير. وشغلت هذه المراسلات التي تنشر لأول مرة في اللغة الفرنسية معظم الملاحق الثقافية للجرائد الكبرى، وبخاصة جريدة «اللوموند».

قبل ان اتطرق لهذه الرسائل احب ان اتوقف قليلا عند المقدمة المطولة والمهمة التي كتبها الاستاذ المذكور. ففي رأيه ان دوستويفسكي هو اقوى شخصية ادبية شهدها العصر الذهبي للآداب الروسية: اي القرن التاسع عشر. صحيح ان تولستوي يمكن ان يضاهيه او يرتفع الى قامته في بعض الاحيان، ولكن ما أشد الفرق بينهما! فتولستوي كان يصالح الانسان مع الكون حتى في اصعب الظروف، حتى في زمن العواصف والأعاصير. تولستوي كان يخلق اضاءات تفاؤلية من حين الى آخر ولا يترك الانسان وحيدا امام قدره ومصيره. واما دوستويفسكي فكان يفكك الانسان ويركبه على هواه، ويتركه احيانا كثيرة عرضة للرعب واليأس والمواقف الحدية المتطرفة. ولذلك كثرت في رواياته الشخصيات الاشكالية كالمجانين، والسكّيرين، والقتلة، والمجرمين، والعدميين اليائسين.. دوستويفسكي كان (ولا يزال) يقلق ويزعج كل من لا يمتلك القدرة على متابعته. دوستويفسكي يدوخ قارئه حرفيا. ولذلك يتحاشاه البعض خوفا منه. ولكن قلما حلق روائي عاليا، او قلما انخفض عميقا حتى وصل الى المناطق السحيقة والمظلمة للشخصية البشرية مثله.

سوف أتوقف فقط عند الرسائل التي كتبها قبل الحكم عليه بالاعدام وبعده. فمن المعلوم ان ذلك الحدث الذي نادرا ان يتعرض له شخص ويخرج منه سالماً قد أثر عليه كثيرا. ولا يمكن ان نفهم شخصيته الا اذا اخذناه بعين الاعتبار بالاضافة الى تجربة المنفى التي تلته في سيبيريا وامضاء اربع سنوات في سجن الاشغال الشاقة ضمن ظروف مرعبة تفوق طاقة البشر.

معظم الرسائل التي كتبها كانت موجهة الى أخيه الاكبر ميخائيل دوستويفسكي. وكانت تربط بينهما علاقة وثيقة قل ان تنعقد بين اخوين. نستمع اليه يتحدث عن لحظة الحكم عليه بالاعدام وكيف عاشها وذلك قبيل السفر الى «بيت الموتى» في سيبيريا بعدئذ سوف انتقل للاستشهاد وبمقاطع من اول رسالة كتبها بعد خروجه من السجن. وهكذا اكون قد تعرفت على حالته النفسية قبيل المحنة وبعدها مباشرة.

* من قلعة بطرس وبولس (اي سجن الباستيل القيصري الشهير)
تاريخ: 22 ديسمبر 1849

أخي يا صديقي العزيز! لقد حُسم مصيري! لقد أدانوني بأربع سنوات من الاشغال الشاقة في سجن سيبيريا. وبعد الخروج من السجن سوف اصبح مجندا محروما من الحقوق المدنية بما فيها حق الكتابة لمدة ست سنوات.. سوف اروي لك القصة من أولها. لقد نقلونا الى الساحة العامة لسجن القلعة. وهناك قرأوا علينا حكم الاعدام. ثم أمرونا بتقبيل الصليب

وكسروا سيوفنا فوق رؤوسنا باعتبار اننا انتهينا. وبعدئذ اغتسلت غسلة الموتى، ثم ألبسونا الاكفان يا أخي. وصفّونا ثلاثة، ثلاثة على الجدار تمهيدا لرمينا بالرصاص. كان ترتيبي السادس، وكنت انتمي الى الوجبة الثانية التي سينفذ فيها حكم الاعدام. ولم تبق لي الا دقيقة واحدة لكي أعيش. في تلك اللحظة فكرت فيك يا اخي، في اللحظة القصوى التي لا تتجاوز الثواني كنت انت وحدك في خيالي. وعندئذ عرفت الى اي مدى أحبك يا أخي الحبيب.

ولكني في آخر ثانية قبيل التنفيذ دُقت الطبول وأعلنوا عن العفو الملكي الذي وهبنا الحياة من جديد!.. هل تستطيع ان تتصور تلك اللحظة؟ من يستطيع ان يتصورها؟ ولكن على الرغم من كل ما حصل لي فلم أفقد الشجاعة ولا الأمل. الحياة في كل مكان هي الحياة. الحياة موجودة في داخلنا وليس في العالم الخارجي.

لا تبكِ عليّ يا أخي، ارجوك لا تبكِ.. قَبّل زوجتك واطفالك وتحدث لهم عني لكيلا ينسوني. فربما التقينا يوما ما.. لم اشعر في اي يوم من الايام بمثل هذا الفنى الروحي الذي يغلي في داخلي كالمرجل. ولكن هل سيصمد جسدي على المحنة؟ هذا هو السؤال. اني ارحل وانا مريض. ولكن لا بأس، خلها على الله... لا تخف يا أخي. فقد تحملت كثيرا من المصائب في حياتي، ولم يعد هناك أي شيء يخيفني. ليكن ما يكون.. في أقرب فرصة سوف أعطيك من أخباري.

هل من المعقول الا أكتب شيئا بعد الآن؟ هل يمكن ان تنتهي حياتي الأدبية وانا لا أزال في بداية البدايات؟ آه يا أخي! كم من الصور المعاشة والافكار سوف تموت في رأسي، سوف تتبخر الى غير رجعة اذا ما حصل ذلك. نعم اني سوف أموت اذا ما مُنعت من الكتابة. اكتب لي يا أخي كثيرا. اكتب حتى عن الاشياء التافهة، وبخاصة الاشياء التافهة، العادية، اليومية. فأنا سأكون في المنفى بعيدا عن الحياة. مفصولا عن الحياة.

ولكن بحق السماء لا تبك. لا تبك عليّ يا أخي لا تبك.. اعلم اني لم افقد الشجاعة ولم يتخل عني الأمل حتى في أحلك اللحظات قبل لحظة الاعدام بقليل كنت أعلم ان خبر اعدامي سوف يقتلك في أرضك.. ولكن الآن تجاوزت هذه النقطة، ولم يعد هناك من خوف. اني أولد من جديد. لا يعرف معنى الحياة الا من فقدها أو أوشك على فقدانها. ما ان أعود الى الماضي حتى افكر بكل الوقت الضائع سدى. افكر بلحظات البطالة والعطالة والضلالات والفرص التي راحت.. كم اخطأت بحق نفسي وروحي.. عندما افكر بكل ذلك اشعر بنزيف دام في قلبي. الحياة عطية، الحياة هدية ثمينة جدا ولا نعرف قيمتها الا عندما نفقدها أو تصبح مهددة فعلا. الحياة سعادة. في كل دقيقة يوجد قرن من السعادات.. آه من طيش الشباب! والآن اذ اغير حياتي اشعر وكأني أولد بصيغة أخرى».


* الرسالة الثانية بعد الخروج من بيت الموتى
(1854)

من يستطيع أن يتخيل فرحة دوستويفسكي وهو يخرج من سجن الاشغال الشاقة ويغادر سيبيريا الى غير رجعة؟ من يعرف كيف تنفس الصعداء وشمّ نسيم الحرية لأول مرة؟ بعد اربع سنوات من العذاب والاشغال الشاقة اليومية وتقييد رجليه بالاغلال والسلاسل يخرج دوستويفسكي من تحت الانقاض وكأنه ميت يبعث من القبر. لقد شاهد كثيرا دوستويفسكي واحترق كثيرا، وسوف ينتج عن ذلك شيء لا يمكن تصوره بعد ان تعتمل الاشياء في الداخل وتتفاعل. سوف تنتج الروايات العبقرية.

وسوف يصبح واحدا من أهم الكتاب على مر العصور. لنستمع اليه يقول الى اخيه ميخائيل في أول رسالة يكتبها بعد تحريره:

«سوف نلتقي يا اخي قريبا. أشعر بأن روحي شفافة ورائقة في هذه اللحظة. المستقبل لي المستقبل كله لي وارى منذ الآن ما سأفعله، كما لو انه تحقق الآن أمامي. أنا راض عن حياتي. ليس هناك الا شيء واحد أخشاه: البشر والاعتباط.. ولكن البشر في كل مكان هم البشر. حتى في سجن الاشغال الشاقة وجدت بشرا بين المجرمين والقتلة واللصوص. نعم بعد اربع سنوات من العيش معهم اكتشفت ان بصيص الانسانية لم يمت في داخلهم. وقد احبوني وبكوا عندما افترقنا الى غير رجعة. لقد تعرفت على روسيا في السجن. وبالاخص على الشعب الروسي. وأزعم اني اعرفهما الآن أكثر من أي شخص آخر».

ثم نلاحظ انه يطلب منه بعض الكتب لأنه سوف يظل بعيدا أو مبعدا لفترة اضافية أخرى كمجرد جندي في الجيش. وهو موجود في مناطق نائية لا كتب فيها ولا مكتبات وسوف نفاجأ بنوعية الكتب التي يطلبها، وبخاصة الكتاب الأول:

«أرجوك ان ترسل لي القرآن، ونقد العقل الخالص لكانط، وارسل لي بدون اي تردد هيغل وبخاصة كتابه عن تاريخ الفلسفة.. كل مستقبلي يتوقف على هذا الكتاب...»

هكذا نلاحظ ان قراءات دوستويفسكي لم تكن تقتصر على الرواية فقط وانما كانت تتعداها الى الدين والفكر والفلسفة.

والواقع انه كان دائما شديد الاهتمام بالكتاب المقدس للاسلام. وله عنده مكانة خاصة واحترام كبير. والدليل على ذلك انه ذكره اكثر من مرة في كتبه وبخاصة في روايته الشهيرة: الممسوسون. وكان قد ذكر القرآن كأحد مصادر التأثير الثقافية على شاعر روسيا الاكبر: بوشكين. وقد ورد ذلك في خطابه الشهير بمناسبة الاحتفال بذكراه في موسكو. يضاف الى ذلك ان دوستويفسكي كان يمتلك نسخة من القرآن الكريم في مكتبته الخاصة. وكانت بالفرنسية التي يتقنها. وهذا شيء مؤكد من مصادر موثوقة. اذا علمنا مدى ارتباط الكاتب الكبير بالانجيل والعقيدة المسيحية في مذهبها الارثوذكسي فاننا لا نملك الا ان نبدي اعجابنا بهذا الانفتاح الروحي الرائع على الكتاب المقدس لدين آخر منافس تاريخيا للمسيحية. وهذا دليل على ان ايمان الكتّاب الكبار ليس ضيقا ولا متعصبا على عكس الناس المنغلقين.

2011/04/21

آداب النقد.. كي تصل إلى غايتك

1 ـ البينية :

ليكن نقدك لأخيك ، أو لأيّ إنسان آخر نقداً بينياً ، أي بينك وبينه ولا تنقده أمام الآخرين ، فحتى لو كان نقدك هادفاً وهادئاً وموضوعياً إلاّ أنّ النقد في حضور الآخرين ممّن لا علاقة لهم بالأمر قد يدفع الطرف الآخر إلى التشبّث برأيه ، أو الدفاع عن نفسه ولا نقول عن خطئه . ولذا جاء في الحديث : «مَنْ وعظ أخاه سرّاً فقد زانه ومَنْ وعظه علانية فقد شانه» .

2 ـ الإنصاف :

النقد هو حالة تقويم .. حالة وزن بالقسطاس المستقيم ، وكلّما كنت دقيقاً في نقدك ، بلا جور ولا انحياز ولا تعصب ولا افراط ولا تجاوز ، كنت أقرب إلى العدل والانصاف ، وبالتالي أقرب إلى التقوى ، قل في منقودك ما له وما عليه .. قل ما تراه فيه بحق ولا تتعدّ ذلك فـ «مَنْ بالغ في الخصومةِ أثِم» .

3 ـ إجمع الإيجابي إلى السلبي :

وهذا الأسلوب هو من الأساليب المحبّبة في النقد((1)) ، حيث تبدأ بالإيجابي فتشيد به وتثمّنه ثمّ تنتهي إلى السلبي ، وبهذه الطريقة تكون قد جعلت من الإيجابيات مدخلاً سهلاً للنقد ، لأ نّك بذلك تفتح مسامع القلب قبل الأذنين ليستمع الآخر إلى نقدك أو نصيحتك .. إنّك تقول له : إنّه جيد وطيب وصالح ومحترم لكنّ ثمة مؤاخذات لو انتبه إليها لكان أكثر حسناً وصلاحاً .

فإذا ما احترمت إيجابيات الشخص المنقود وحفظتها له ، ولم تنسفها أو تصادرها لمجرد ذنب أو خطأ أو إساءة ، فإنّك سوف تفتح أبواب الاستماع إلى ما تقول على مصراعيها ، وبذلك تكون قد حققت هدفك من النقد ، وهو إيصال رسالة للمنقود حتى يرعوي أو يتعظ ، كما إنّك لم تجرح إحساسه ولم تخدش مشاعره . وقد دعا القرآن المسلمين إلى احترام إيجابيات الناس في قوله تعالى : (ولا تبخسوا الناس أشياءهم )(2) .

4 ـ الإلتفات إلى الإيجابي :

وقد يكون السلبي لدى أحد الأشخاص أكثر من الإيجابي بحيث يغطّي عليه ، ويكون الإيجابي نادراً للدرجة التي يتعيّن عليك أن تبحث أو تنقّب عنه تنقيباً ، فلا تعدم المحاولة لأن ذلك مما يجعلك في نظر المنقود كريم الطبع .

فلقد مرّ عيسى (عليه السلام) وحواريّوه على جثّة كلب متفسّخة ، فقال الحواريون :

ـ ما أنتن جيفة هذا الكلب !

وقال عيسى (عليه السلام) : انظروا إلى أسنانه .. ما أشدّ بياضها !

لقد كان الحواريون محقّين في نقدهم للجثّة المتفسخة التي تنبعث منها روائح كريهة ، لكنّهم ركّزوا على السلبي (الطاغي) على الجثّة . أمّا المسيح (عليه السلام) فكان ناقداً لا تفوته اللفتة الإيجابية الصغيرة حتى وإن كانت (ضائعة) وسط هذا السلب من النتانة .

وهذا درس نقديّ يعلّمنا كيف أ نّنا يجب أن لا نصادر الإيجابية الوحيدة أو الصغيرة إذا كان المنقود كتلة من السلبيات .

5 ـ أعطه فرصة الدفاع عن نفسه :

حتى ولو كوّنت عن شخص صورة سلبية فلا تتعجّل بالحكم عليه .. استمع إليه أوّلاً .. أعطه فرصة كافية ليقول ما في نفسه وليدافع عن موقفه . قل له : لقد بلغني عنك هذا ، واترك له فرصة الدفاع وتقديم الإفادة ، أي افعل كما يفعل القاضي العادل فهو يضع التهمة بين يدي المتهم ويعطيه فرصة للدفاع عن نفسه وموقفه ، إمّا مباشرة أو عن طريق محام ، فلا تأتي كلمة القضاء الفصل إلاّ بعد أن يدلي الشهود بشهاداتهم ، والمحامي بمرافعته لكيلا يُغمط حق المتهم .

6 ـ حاسب على الظواهر :

قبل أن تمضي في نقدك وترتب عليه الأثر ، احترم نوايا المنقود وحاسبه على الظاهر «فلعلّ له عذراً وأنت تلوم» . وهذا هو الذي يدعو المربّي الاسلامي إلى أن نحمل أخانا على أكثر من محمل ، أي أن نحمل عمله أو قوله على محمل حسن الظن لا إساءة الظنّ .

فقد يكون مضطراً وللضرورة أحكامها فـ «الضرورات تبيح المحظورات» وقد يكون ساهياً ناسياً غير قاصد ولا متعمّد ، والقلم مرفوع عن الناسي أو الجاهل غير المتعمّد ، وقد يكون له رأي أو مبرر غير الذي تراه .

المهم أنت لست مسؤولاً عن دوافع المنقود ونواياه ، وإنّما مسؤول عن ظاهر عمله فقط .

7 ـ استفد من تجربتك في النقد :

لكلّ منّا تجاربه في نقد الآخرين ، أو نقد الآخرين له . وربّما أفادتك حصيلة تجاربك أن تبتعد عن أساليب النقد التي جرحتك أو عمقت جراحك القديمة ، أو سببت لك النفور والبرم ، وربّما زادت في إصرارك على الخطأ كردّ فعل عكسي .

وطالما إنّك كنت قد اكتويت بالنار فلا تكوِ بها غيرك .. حاول أن تضع نفسك في موضع الشخص المنقود ، وتحاش أيّة طريقة جارحة في النقد سبق لك أن دفعت ضريبتها .

فلقد بعث أحد الأدباء الشباب ـ ذات مرّة ـ نتاجه إلى إحدى المجلاّت الأدبية الشهيرة ، وحينما صدر العدد الجديد من المجلة هرع الأديب الشاب إلى السوق لاقتناء نسخته وراح يتصفحها بلهفة بحثاً عن إبداعه فلم يجده لكنّه وجد ردّاً للمحرر يقول له إنّه لا يصلح للأدب وعليه أن يفتش عن مهنة أو هواية أخرى ! وفيما هو يعيش الصدمة وإذا به يرتطم بعمود النور فتنكسر رجله ..

المهم .. انّ همته لم تنكسر .. فقد واصل .. وأصبح أديباً مشهوراً يشار له بالبنان ، فلا تكسر منقودك لأن «مَنْ كسر مؤمناً فعليه جبره» .

8 ـ لتكن رسالتك النقدية واضحة :

لا تجامل على حساب الخطأ ، فالعتاب الخجول الذي يتكلّم بابن عم الكلام ليس مجدياً دائماً ، وقد لا ينفع في إيصال رسالتك الناقدة . فإذا كنت ترى خرقاً أو تجاوزاً صريحاً فكن صريحاً في نقده أيضاً ، وتعلّم خُلق الصراحة وعدم الاستحياء في قول الحق من الله سبحانه وتعالى : (والله لا يستحي من الحقّ )(3) .. قُلْها ولو على نفسك .

يقول أحد الأدباء عن كلمة الحقّ :

«إن أنتَ قلتها متّ
وإن سكتَّ متّ
قُلها إذن ومتْ» !!

9 ـ لا تكل بمكيالين :

إن من مقتضى العدل والانصاف أن لا تكون ازدواجياً في نقودك فإذا انتقدت صديقاً في أمر ما ، وكنت سكتّ عن صديق آخر كان ينبغي أن تنقده للشيء ذاته ، فأنت ناقد ظالم أو منحاز بالنسبة للمنقود لأ نّه يرى أ نّك تكيل بمكيالين ، تنتقده إذا صدر الخطأ منه ، وعندما يصدر الخطأ نفسه من صديق آخر فإنّك تغضّ الطرف عنه محاباة أو مجاملة له .

وقد تكون الازدواجية في أ نّك تنقد خصلة أو خلقاً أو عملاً ولديك مثله ، وهنا عليك أن تتوقع أن يكون الردّ من المنقود قاسياً :

يا أ يُّها الرجلُ المعلّمُ غيره***هلاّ لنفسِكَ كان ذا التعليمُ

ومن مساوئ هذه الحالة أنّ المنقود سوف يستخفّ بنقودك ويعتبرها تجنياً وانحيازاً . فلقد كتب إثنان من الأطفال كتابة وعرضاها على الحسن بن علي (عليه السلام) وقالا له : أيّنا أحسنُ خطاً ، وكان أبوه (علي) حاضراً ، فقال له : احكم بينهما بالعدل ، فإنّه قضاء ! فإذا كان العدل مع الصغار مطلوباً ، فكيف بالكبار ؟!

10 ـ لا تفتح الدفاتر القديمة :

انقد الجديد ودع القديم .. لا تذكّر بالماضي لأنّ صفحته انطوت .. ولا تنكأ الجراح ، فقد تضيّع الهدف من النقد لما جرى مؤخراً ، وربّما تغلق مسامع المنقود عن نقدك وتستثيره لأ نّك نبشت ما كان دفيناً .

إن أخطاء الماضي قد يخجل المنقود من ذكرها ، وربّما تجاوزها وعمل على إصلاحها فتذكيره بها أو ربطها بالأخطاء الجديدة يجعلك في نظره إنساناً غير متسامح ، فلا تصفح ولا تمحو ، وكأ نّك تريد أن تقول له : ما زلت على ضلالك القديم ، وهذا أمر لا يطيقه ، وربّما ثأر لنفسه منك .

11 ـ التدرّج في النقد :

ما تكفيه الكلمة لا تعمّقه بالتأنيب ، وما يمكن إيصاله بعبارة لا تطوّله بالنقد العريض ، فالأشخاص يختلفون ، فربّ شخص تنقده على خطئه ويبقى يجادلك ، وربّ آخر يرفع الراية البيضاء منذ اللحظة الأولى ويقرّ معترفاً بما ارتكب من خطأ ، وربّ ثالث بين بين .

ولذا فقد تكون كلمات من قبيل (ألا تستحي) ؟ (أما فكّرت بالأمر ملياً) ؟ (هل هذا يليق بك كمؤمن) ؟ (هل ترى أن هذا من الانصاف) ؟ وما شاكل ، تغني عن كلمات طويلة ، الأمر الذي يستحبّ معه التدرج في النقد والانتقال من اليسير إلى الشديد .

12 ـ انقده لشخصه :

قد يخرج بعض أصدقائك أو إخوانك عن حدود الأدب واللياقة في النقد ، فلا يكتفي بنقدك شخصياً ، وإنّما يتعدّى إلى والديك وإخوتك فيرشقهم بسهام نقده مما يعقد الموقف ويحول النقد إلى مهاترة . فلا يصح أن تنساق معه ، وإذا كان بينك وبينه نقد ، أي أردت أن تنقده أيضاً فانقده لشخصه لأ نّه هو موضع النقد وليس والديه (ولا تزِرُ وازرة وزر أخرى )(4) .

13 ـ اقترح حلولاً :

قدِّم نقدك في تبيان الإيجابيات والسلبيات ، وركِّز على الجديد ، وعلى نقطة محدّدة بذاتها ، وفي كلّ الأحوال إن كان بإمكانك أن تقدم حلاًّ أو مقترحاً أو علاجاً فبادر ، وسيكون نقدك مقروناً بما يعين المنقود على التخلّص من سلبياته .

ومن الأفضل أن تطرح اقتراحاتك بأسلوب لطيف مثل : (الرأي رأيك لكنني أقترح) .. (هذا ما أراه وفكِّر أنت في الأمر جيِّداً) .. (ماذا لو تفعل ذلك لربّما كان الموقف قد تغيّر) .. (دعنا نجرّب الطريقة التالية فلعلها تنفع) .. إلخ .

14 ـ راعِ الموقع والمكانة :

كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : «أُمرنا معاشر الأنبياء أن نخاطب الناس على قدر عقولهم» كمظهر من مظاهر الحكمة التي تقول : «لكلّ مقام مقال» الأمر الذي يستدعي أن تراعي مقام الشخص المنقود ، فإذا وجّهت نقدك لأبويك أو أحدهما (فلا تقل لهما أُفٍّ ولا تنهرهما وقول لها قولاً كريماً )(5) . احفظ احترامك لهما ، ابتعد عن كل ما يخدش إحساسهما ، يمكن أن تصبّ نقدك في قالب لطيف ، مثل :

(أنتم أكبر منِّي سنّاً وأكثر تجربة لكنني ـ بكل تواضع ـ أقول أن هذا الأمر غير مناسب) أو (مع كامل حبي واحترامي لكما ، أرى لو أن نعدل عن هذا الموضوع) أو (ما تذهبون إليه صحيح ، لكنّ الأفضل في نظري هو هذا) وما إلى ذلك من عبارات محبّبة توصل بها نقدك ولا تؤذي منقودك .

15 ـ لا تكن لقّاطاً للعثرات :

التقاط العيوب وتسقّط العثرات وتتبّع الزلاّت ، وحفظها في سجل لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ، بغية استغلالها ـ ذات يوم ـ للإيقاع بالشخص الذي نوجّه نقدنا إليه ، خلق غير اسلامي . فقد جاء في الحديث : «إنّ أقرب ما يكون العبد إلى الكفر أن يؤاخي الرجل الرجلَ فيحصي عليه عثراته وزلاّته ليعنّفه بها يوماً ما» .

فخيرٌ لك وله أن تنتقده في حينه ، وفي الموضع الذي يستوجب النقد ، ولا تجمع أو تحصي عليه عثراته لتفاجئه بها ذات يوم ، ولا تفاجأ إذا قال عنك أ نّك جاسوس أو متلصص عليه، أو أ نّك تنقده بدافع الحقد الدفين .

16 ـ النقد هدية .. فاعرف كيف تقدّمها :

ورد في الحديث : «أحبّ إخواني مَنْ أهدى إليَّ عيوبي» فلقد اعتبر الاسلام النقد والمؤاخذة على الخطأ (هدية) وترحّم على مهديها «رحم الله مَنْ أهدى إليَّ عيوبي» لأجل أن يكون النقد والنصيحة والتسديد مقبولاً ومرحباً به ، بل يُقابل بالشكر والإبتسامة .

والهدية ـ كما هو معلوم ـ تجلب المودة «تهادوا تحابّوا» فإذا صغت نقدك بأسلوب عذب جميل ، وقدّمته على طبق من المحبّة والإخلاص ، وكنت دقيقاً ومحقاً فيما تنقد ، فسيكون لنقدك وقعه الطيب وأثره المؤثر على نفسية المنقود أو (المهدى إليه) الذي سيتقبّل هديتك على طريقة «ووفقني لطاعة مَنْ سدّدني ومتابعة مَنْ أرشدني» .

أخيراً ..

تذكّر أنّ كلّ إنسان يحبّ ذاته ، فلا تحطّم ذاته بنقدك القاسي الشديد ، كن أحرص على أن ترى ذاته أجمل وأكمل وأنقى من العيوب .. وقل له ذلك .. قل له : إنّ دافعك إلى النقد أن تراه فوق نقدك ، وعندها تكسب أخاً حبيباً بدلاً من أن تخلق لك عدواً .


* الهوامش :

1- وهذا الأسلوب متبع في (النقد الأدبي) أيضاً ، حيث يحاول النقّاد أن يتعرّضوا للجوانب الإيجابية في النصّ الأدبي وإلى الجوانب السلبية فيه ، حتى تكون الصورة النقدية واضحة في ذهن القارئ ، فالجوانب الإيجابية تحتاج إلى كشف وتوضيح وإبراز تماماً كما
2- الأعراف: 85.
3- الأحزاب: 53.
4- الأنعام: 164.
5- الإسراء: 23.

* المصدر: موقع الوحدة الإسلامية

ثلث الكلام: كلنا شركاء بالصمت

صحوة ضمير يحتاجها الإعلام التونسي

٭ بقلم: سميرة الخياري كشو
جريدة الشروق


حين كان الطرابلسية يعبثون بتاريخ تونس وبآثارها... كنا جميعنا نعرف.. حين أغرق الطرابلسية الأسواق بالبضائع الصينية وفتكوا بالاقتصاد.. وأغرقوا الشوارع بالمخدّرات كلنا كنّا نعرف..

ـ حين تم ادخال البضائع المخلّة بالصحة والمسرطنة واللعب الاسرائيلية كلنا كنا نعرف، وكنت نشرت مقالا على أعمدة «الشروق» فيه التفاصيل مدعّمة بالصور بتاريخ 20 أفريل 2009 وكانت النتيجة ان قامت وزارة التجارة بحملة سريعة لحجز هذه اللعب المتمثلة في طائرات بالونات تابعة لشركة العال الاسرائيلية للطيران.. ولولا المحجوز الذي نمتلكه لواجهنا تهمة الترويج لأخبار زائفة..

ـ حين استحوذ صخر الماطري على دار الصباح.. كلنا كنا نعرف... ومنها أسس الزيتونة والبنك... واستولى على مكتب في كل مركز بريد ليصبح فرعا للزيتونة.. يومها كنا كلنا شهود عيان...

ـ حين استولى آل بن علي على الأراضي وعلى العقارات وعلى المطاعم... وأفزعوا رجال الأعمال... كلنا كنّا نعرف التفاصيل..

ـ حين حدث التعذيب وحدثت الانتهاكات والتجاوزات... كلنا كنا نعرف..

ـ حين استولت العائلة المافيوزية على الإعلام بالإذاعات الخاصة والصحف.. كلنا كنا نعرف.. بل تجاوز الأمر من باعوا ضمائرهم للتهليل بامبراطور الاعلام الجديد.

ـ حين امتدت شبكات المافيا لتستولي على قطاع الديوانة ومعاقبة كل من تخوّل له نفسه العمل بشرف.. كنا نتابع ونشاهد..

جميعنا دون استثناء.. كنا نعرف كنا نراهم.. كنا نراقبهم.. من منازل حي البراطل... مرورا ببلدية حلق الوادي الى تقسيمات الاراضي التابعة للدولة الى إجبار أعوان الأمن على القيام بأعمال الحراسة المستمرة للصوص الى متاجرتهم في كل شيء من التعليم الى أخلاقنا وحريتنا وأنفاسنا..

واليوم وحين انتفض الشعب... وأوقع بعصابة آل بن علي والطرابلسية... اختفت الجرائم.. وصارت مقاضاتهم مرتبطة بجنح خفيفة او جرائم شخصية لا علاقة لها بالشعب التونسي وما عاناه منهم اليوم صرنا كلنا عميانا متفاجئين من هول الصدمة؟ فهل يعقل هذا؟ وصرنا نلقي باللوم على جهاز دون غيره..

لنعترف بالحقيقة ولو كانت مرّة.

كلنا كنا نعلم.. كلنا كنا شركاء في الصمت..

لذلك علينا ان لا نعيد كتابة تاريخ أخطائنا مرة أخرى... كلنا نعرف ما حدث بين ديسمبر وجانفي ..

كلنا نعرف ان لهذه الحقيقة وجوها عدة... لذلك دعنا لا نكون شركاء في الصمت من جديد فالتاريخ لا يرحم شهود الزور.


http://www.alchourouk.com

الأخوة الصادقة ونفاقنا الاجتماعي

1. كان النبي (ص) يربّي المجتمع الإسلامي الأول على التضامن وتكريس الأخوة، قائلا: "مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمِهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسَّهَر والحُمَّى" (البخاري).. ولم يكن الصحابة يحرصون على استعمال لفظ الأخ كلما تخاطبوا فيما بينهم، لأنهم كانوا مشغولين بتحقيق معاني الأخوة في سلوكهم وتعاهدها بصدق في مشاعرهم..

أما نحن فأصبحنا نكتفي من الأخوة كلمتها، وتكاسلنا في إقامة معناها.. ولذلك أصبحت تجد الجميع يخاطب الآخرين: (يا أخي)، و(يا أخي في الله)، و(يا أخي الحبيب)، ولا يتورع عن غيبته وسبه والاستهزاء به في السر والعلن.

وتجد من يبتسم ويبشّ في وجهك، ويصافحك بيده القوية مصافحةً تكاد تخلع أصابع يدك، ظنا منك أنها دليل مشاعر الأخوة التي يكنها لك.. ثم تكشف لك الأيام خبايا الأنفس وما تخفي الصدور من مشاعر الضيق والتبرم والحسد والكره تجاهك.

* * * * * *

2. كان النبي (ص)، يعلم أصحابه: "لأَنْ أمشي مع أخ في حاجة، أحبّ إليَّ مِن أن أعتكف في هذا المسجد -يعني مسجد المدينة- شهرًا".

كان النبي (ص) يعلمهم أن حقيقة الأخوة تجعل من همّ الفرد همّا محمولا من الجماعة وليس من الفرد فقط. وأن ما يسوء شخصا يسوء الجميع، وما يحزن الفرد يحزن الجميع، وما يؤلم الفرد يؤلم الجميع.

وكان يعلمهم أن خدمة الآخرين ومساندتهم عند الحاجة، عبادةٌ عمليةٌ أفضل وأعظم أجرا من عبادة النوافل والأعمال الفردية التي يعود نفعها على الشخص لذاته ولا يعود نفعها على الآخرين.

أما نحن، فقد تبلدت أحاسيسنا تجاه الآخرين، مع الاحتفاظ ببعض شكليات العلاقة التي لا تكلف جهدا ولا عناء، والتي تسمح لنا بتلميع الصورة أمام الناس، ونستعملها للتبرير عند الضرورة، إن وجه إلينا اللوم يوما ما.

أصبح التزام المسجد أقصى ما يحرص عليه الواحد منا.. وأما هموم الناس وحقوقهم فلتذهب مع الوقت.. سيبقون مهمومين بضعة أيام ثم ينسون..

 * * * * * *

3. كان الرسول (ص) يحث صحابته على هذه الاخلاق، وكان يفاضل بينهم بحسب نفعهم للناس ويقول عنهم: "أفضلهم عنده أعمهم نصيحةً.. وأعظمهم عنده منزلةً، أحسنهم مؤاساة ومؤازرة ".. وكان يربيهم على التزام الجماعة والعمل على تقويتها وتقديم مصلحتها على المصلحة الفردية..

أما نحن، فقد أصبح مقياس التفاضل لدينا هو حفظ القرآن والمداومة على الصلوات في المسجد، حتى وإن كلف ذلك الإغراق في التفاصيل واستهلاك الوقت والجهد، بدون أن ننهض للتواصل مع الآخرين لمعرفة همومهم ومشاكلهم..

 * * * * * *

4. كان النبي (ص) إذا غاب أحد الصحابة يومين متتابعين، سأل إن كان مريضا أو له هموم منعته عن الحضور.. وكان يفعل ذلك مع جميع الصحابة، كبيرهم وصغيرهم، قريبهم وبعيدهم.

أما نحن، فإن غاب أحدنا لم يفتقد، وإن افتقد اتهم بالضعف والتهاون في أداء الفرائض.

* * * * * *

5. القرآن الذي نتلوه صباح مساء يخاطبنا جميعا: "إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم". وهذه الآية صيغة أمر، تؤكد على قدسية الأخوة الإيمانية وأن لا مجال للتهاون في مقتضياتها، وأن الإخلال بأي مقتضى من مقتضياتها من أعظم الحرام. وتؤكد الآية على وجوب المبادرة للإصلاح بين الناس حين يختلفون. وإلا فالجميع آثمون.

أما نحن، فترى البعض يرى إخوانه يظلم احدهم الآخر، ويغتاب أحدهم الآخر، ويحقر أحدهم الآخر، ثم لا يجد في نفسه أي شعور بالواجب، أو أي حاجة للتدخل بالحسنى، أو ضرورة للإصلاح بين الناس.

* * * * * *

6. حين صاغ النبي (ص) دستور المدينة المؤسس للمجتمع المسلم، كتب فيه من جملة الوصايا والقوانين التي يتوجب على كل مسلم الالتزام بها دون تهاون أو غفلة: "وَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ لاَ يَتْرُكُونَ مُفْرَحًا بَيْنَهُمْ (أي مُثْقَلاً بالديون) أَنْ يُعْطُوهُ بِالْمَعْرُوفِ فِي فِدَاءٍ أَوْ عَقْلٍ‏. - وَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ عَلَى مَنْ بَغَى مِنْهُمْ، أَوِ ابْتَغَى دَسِيعَةَ ظُلْمٍ (أي طلب عَطِيَّةً من دونِ حقٍّ) أَوْ إِثْمٍ أَوْ عُدْوَانٍ أَوْ فَسَادٍ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ‏. - وَإِنَّ أَيْدِيَهُمْ عَلَيْهِ جَمِيعًا، وَلَوْ كَانَ وَلَدَ أَحَدِهِمْ‏".

أما نحن، فترى أحدنا يسمع صاحبه يغتاب الآخر، فيضحك في وجهه مسرورا، وفي بعض الأحيان مصدّقا وموافقا ومؤيدا. ثم ترانا نتزاحم بالمناكب على الصف الأول في الصلاة. ثم لا نجد في أنسفنا حرجا من ذلك، بل نغلفه أحيانا بالحرص على الإسلام والمسجد، ونبحث عن التبريرات التي تجعل من فعلنا أمروا طبيعيا بل ضرورة دينية، عوض الاعتراف بحقيقة كونها غيبة أو نميمة أو بهتانا.


أليست هذه من مظاهر النفاق الاجتماعي التي تمارس في محيطنا المتدين؟

وأتساءل بصدق: هل نحن فعلا متدينون حق التدين؟

2011/04/20

في العلم والعمل، وأسباب التنوع

أن تشاهد ما أمامك، هذا شيء...

وأن تتأمل فيما تشاهده إليه، هذا أمر آخر...

وأن تفهم ما رأيته، هذا أمر ثالث...

وأن تتعلم مما فهمته، هذا شيء يختلف تماماً...

ولكن أن تتصرف بناء على ما تعلمته، فهذا هو الأمر الذي يهم حقاً...


Que tu voies, c'est une chose.

Que tu regardes ce que tu vois, c'est une autre chose.

Que tu comprennes ce que tu regardes, c'est une 3ème chose.

Que tu apprennes de ce que tu comprends, en voilà une chose différente.

Mais, que tu agisses sur la base de ce que tu as appris, voilà la chose qui importe le plus.

لا تجعل عقلك في أذنيك

الإنسان الذي لا هوية له لا يمكنه أن يبدع.. لأن الإنسان لا يبدع إلا إذا نظر إلى العالم بمنظاره هو وليس بمنظار الآخرين..

لأنه لو نظر بمنظار الآخرين، أي لو فقد هويته وأصبح عقله في أذنيه، فإنه سيكرر ما يقولونه ويصبح تابعا لهم، كل همه أن يقلدهم أو أن يلحق بهم، ويبدع داخل إطارهم، بحيث يتحقق إبداعه من داخل تشكيلهم الحضاري

د. عبد الوهاب المسيري

بنات الغنوشي وشخصنة النقد.. الشعب يريد ترشيد الخطاب السياسي

يبدو أن قدرنا في تونس أن نشهد جميع أشكال أخطاء الخطاب السياسي والفكري دفعة واحدة، منذ الأشهر الأولى لما بعد الثورة.. من محاسبة على النوايا، إلى التخويف من أخطار وهمية، إلى تحريف المواقف، إلى تشويه التاريخ.. وللأسف بدأت القائمة تطول وتطول.
ومن بين الأشكال الجديدة هي الزج بأبناء السياسيين في الخطاب السياسي.. وأنا متأكد أن هذا الأمر لا يرضاه من يمتلكون قدرا من الوعي والنضج من السياسيين والناشطين والمواطنين، وهم كثيرون.. ولكن كيف يمكن احتواء مثل هذه الأمور كي لا تنتشر وتضيف للساحة السياسية التونسية رافدا آخر من روافد تسميم الأجواء؟
في معرض التباهي، نشر بعض شباب الفايسبوك من المتعاطفين مع النهضة صورة لإحدى بنات راشد الغنوشي ومعها التعليق التالي:
مستقبل بنات تونس من خلال لمحة عن بنات الغنوشي:
  • تسنيم (دكتوراه دولة في السوسيولوجيا)
  • سميّة (إجازتان في الفلسفة والتاريخ، عدى دكتوراه دولة في التاريخ)
  • يسرى (إجازة في الفيزياء، وتعد رسالة دكتوراه في علم الذرّة)
  • انتصار (دكتوراه في الحقوق ومحامية)..
وقد استفز هذا الأمر شبابا آخرين معتبرين أن نظام بن علي كان يشهد تضخيما لصورة ليلى الطرابلسي كنموذج للمرأة التونسية الناجحة، وأن هذا الكلام يهدف لتضخيم صورة بنات الغنوشي كنموذج جديد للمرأة التونسية..
شخصيا، أكره الشخصنة، وأكره التباهي بالإنجازات، خصوصا عندما يأتي من أشخاص ليسوا هم من يحق لهم التباهي.. فبنات راشد الغنوشي فخر لأبيهم وأزواجهم وأهليهم، وبنات المرزوقي فخر لأبيهم وأزواجهم وأهليهم.. وهذا شأن كل عائلات السياسيين وغير السياسيين.. وتفوق المتوفقات منهن أمر طيب وإيجابي، ويشكل بالفعل في الواقع التونسي ظاهرة تلفت الانتباه.. وقد تحدث عنها المنصف المرزوقي مؤخرا في حواره على قناة (التونسية) وذكر أنه لا عجب في أن أبناء أغلب المساجين والمناضلين من المتفوقين دراسيا، لأن ذلك كان نوعا من النضال وردة الفعل على القهر والحرمان وتغييب الآباء في السجون والتصرف كقدوة اجتماعية وسياسية ونضالية.
وإن كان هناك من ضرورة لسوق نماذج بنات الغنوشي وبنات المرزوقي وأبناء السياسيين الآخرين، وباقي المناضلات، فيجب أن يكون هذا فقط في سياق التشجيع والتحفيز على التفوق، ونقطة وارجع للسطر..
أما التباهي بأن هؤلاء المتفوقين هم النموذج الوحيد في المجتمع، فهذا قد يصبح مغالطة ويؤدي إلى نتائج عكسية لما أراده ناشرو مثل هذه المسائل.
ولكن في نفس الوقت: أعتقد أن طرح الموضوع بالشكل التالي: (أن المرأة التونسية ليس مكتوبا عليها أن تختزل شخصيّتها في أشخاص لا يمثّلونها) هو أيضا خطأ.. أعتقد من الضروري تفادي السقوط في مغالطة من يمثّل ومن لا يمثّل.. النماذج دائما مختلف في تقديرها، وهي تصلح لتحفيز البعض، وليس من الضروري أن تحفز الجميع..
أنا متأكد من أن لا راشد العنوشي ولا بناته، ولا المنصف المرزوقي ولا بناته، ولا حمة الهمامي ولا بناته، يرغبون في أن يتباهى المرتبطون والمتعاطفون معهم سياسيا بمثل هذه الأمور.. ولكن أهمس في آذان الناشطين والمتعاطفين مع أي رمز سياسي أو أي حركة سياسية (نهضة وغيرها):
رجاءً: تجنبوا الشخصنة.. وتجنبوا المقارنات الاستفزازية.. وتجنبوا التباهي بالأشخاص وبالتجارب وبالنجاحات، وبالتاريخ.. والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الشخصنة وتعظيم الأشخاص لأنه يؤدي بشكل تدريجي وخفي إلى شكل من أشكال التقديس.
ما نحتاجه هو قول الحق بتواضع.. والاقتصاد في المدح والثناء.. والترفع عن الانتقاص من الآخرين بحثا عن المكانة.. والترفع عن ادعاء طرف للوطنية أكثر من الآخرين.
المكانة والدور في الحياة السياسية يجب أن يكون أساسهما: المصداقية، والأمانة، والإخلاص، والبرامج العملية التي تخدم الناس، وتساهم في تنمية البلاد، وتوفير الحياة الكريمة والسعيدة لجميع المواطنين بلا استثناء، وتعزز الشعور بالفخر بالانتماء لهذا البلد.

هل المستقلون فعلا أكثر من ممثلي الأحزاب في هيئة تحقيق أهداف الثورة؟

في حوار يوم 16 افريل الماضي على قناة نسمة، تكرر القول بأن الهيئة تضم من المستقلين أكثر مما تضم من ممثلي الأحزاب..
يبقى من المفيد أن يذكرونا بتعريف الاستقلالية؟
هل عدم الدخول باسم حزب مّا يعني أن المستقل ليست له توجهات إيديولوجيات تلتقي مع أحد الأحزاب؟
وإذا كان مستقلا ولا ينتمي لحزب، ألا يعني أنه يمثل توجها قائما؟
لماذ الكذب والمغالطة؟

2011/04/19

الساقطون في امتحان الإيمان والتدين

الساقطون في امتحان الإيمان والتدين ثلاثة أصناف:
صنف يسقطه الإغراء..
وصنف يسقطه الشك..
وصنف يسقطه الخوف

* * *

Ceux qui échouent à l'épreuve de la foi et la religiosité sont de trois types:
- un type qui tombe à cause de la tentation,
- un type qui tombe à cause du doute,
- et un type qui tombe à cause de la peur.

تعريف محمد إقبال للالتزام الديني

يرى د. محمد إقبال أن أساس الالتزام الإسلامي هو المحبة القلبية الوالهة، لا المعرفة الذهنية الباردة..

فالحب أعمق أثرا من العلم، والقلب أقوى سلطانا من العقل..

وما يحتاجه المسلم للوصول إلى مقام "عز العبودية لله" أكثر بكثير من مجرد المعرفة الذهنية بالإسلام، أو الإلمام التاريخي بأيام المسلمين..

إنه يحتاج إلى تمثل تعاليم الإسلام بقلبه، حقائق من لحم ودم، لا قوالب ذهنية مجردة.

من أمارات العظمة

من أمارات العظمة أن تخالف أحدا في تفكيره أو تعارضه في أحكامه،
ومع ذلك تطوي بفؤادك علي محبته،
وتأبى كل الإباء أن تجرحه

(محمد الغزالي - كتاب: "الحق المر")

مسألة مبدأ - الشاعر أحمد مطر

قال لزوجه : اسكتي
وقال لابنه : انكتم
صوتكما يجعلني مشوش التفكير

لا تنبسا بكلمة

أريد أن أكتب عن 
حرية التعبير!

(أحمد مطر)

العقول التبسيطية والمشبعة بالجهل

عندما تجمع بين عقول محمولة على التبسيط ومشبّعة بالجهل بخاصة بالتاريخ الذي تدعي الدفاع عنه، وقلوب مليئة حقداً وضغينة، فإنك تحصل على هذا النوع من التفكير الذي يشيعه بنشاط المتطرفون السياسيون والدينيون على ضفتي المتوسط:
- «نحن» الطيبون المظلومون الضحايا،
- و «هم»، بلا استثناء، أعداء ومجرمون معتدون ظالمون.

(د. منصف المرزوقي)

===========

ملاحظة: رغم أن العبارة يمكن قراءتها في الاتجاهين: اتجاه الشعوب العربية والإسلامية، واتجاه الشعوب الأوروبية، إلا أنني أرى أن الأهم هو أن نعترف بأن واقعنا الإسلامي ملئ بهذه العقول التبسيطية، والمشبّعة بالجهل، بخاصة التاريخ الذي تدّعي الدفاع عنه.
وما حال جاليتنا المسلمة في كندا ببعيد عن هذا الواقع.

في الاختلاف والاحترام

هناك أشخاص وتيارات ومؤسسات يمكن أن نحترمها، وفي نفس الوقت قد نختلف معها بشكلٍ جذري..
وفي المُقابل هناك تيارات وأشخاص قد نتفق معهم في مُعظم الأفكار، ولكن قد لا نراهم جديرين بالاحترام..
المسألة تتعلق بشكل رئيس بمقدار الصدق والانسجام بين (المبدأ) و (التطبيق)..

(نوّاف القديمي - باحث وناشر سعودي)

الجهل وثنية

"إذا كانت الوثنيةُ في نظر الاسلام جاهليةً،
فإن الجهلَ في حقيقته وثنيةٌ،
لأنه لا يغرس أفكارا، بل يَنصُب أصنامًا..
وهذا شأنُ الجاهلية"

(مالك بن نبي)

قَاوِمْ، فَيَداك الإعصارُ

قَاوِمْ، فَيَداك الإعصارُ -- لا تخضعْ فالذّلّ دمارُ
وتمسّك بالحق فإن الحق -- سلاحُك مهما جاروا
قاوم فيداك الإعصارُ -- وتقدم فالنصر قرارُ
 إن حياتك وقفةُ عزٍّ -- تتغير فيها الأقدارُ

أغنية: جوليا

Pourquoi toutes ces divergences?

Il m'arrive toujours de poser cette question: Pourquoi sommes-nous si divergents dans le débat national, et surtout sur la place de la religion? Pourquoi a compréhension de la religion?

Est-ce que ces divergences sont tellement graves qu'elles nécessitent de rentrer dans des combats avec les autres au lieu de dialogue?
Quells sont les sources de cette divergence ?:
- la mauvaise intention ?
- les passions et les désirs ?
- la différence des angles de vue ?
- la différence des méthodes appliquées dans l'argumentation ?
- la différence des tempéraments des personnes ?
- le manque de connaissances ?
- la faiblesse du style de discours ?
- le dogmatisme ?
- ...

2011/04/18

حوارمع محمد بن جماعة، المشرف على موقع التنوع الإسلامي

في ما يلي نص الحوار الذي أجرته معي إسراء البدر عن أسباب تأسيس موقع التنوع الإسلامي، وواقع الحياة الإسلامية في كندا
والحوار منشور على موقع التنوع الإسلامي الذي أشرف عليه


أجرى الحوار: أسراء البدر

* ما هي أسباب انبثاق موقع التنوع الإسلامي، ومتى كان ذلك ؟

** بداية، أشكركم على هذه الفرصة الطيبة للحديث.. وموقع "التنوع الإسلامي" هو امتداد لموقع "الوحدة الإسلامية" الذي انطلق رسميا سنة 2004. وفكرة الموقع كانت همّا أحمله منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي، نتيجة للبيئة التي عشت فيها والتي ساعدتني على اكتشاف حجم الاختلافات المذهبية في الساحة الإسلامية.


فرغم ولادتي في بيئة تونسية مالكية، إلا أن إدماني المبكر على المطالعة، الذي يعود الفضل فيه إلى والديّ رحمهما الله رغم أمّيتهما، مكنني من التعرف على التشيع منذ كان عمري 9 سنوات، أي قبل ثورة الخميني (عام 1979) في إيران بسنة، وذلك من خلال قراءة قصص جرجي زيدان التي تعرض فيها لبعض جوانب قصة الإمام الحسين بن علي رضي الله عنه. وقد تركت تلك القصص أثرا عميقا في نفسي.

وقبيل الثورة الإيرانية كان صدى تحركات الخميني يصل إلى تونس، وكنت أتابع الأخبار بشكل عفوي، حتى وجدت بعض كتب الشيعة في المكتبات، فاشتريت بعضها. وكان هذا بداية اطلاعي على التشيع رغم حداثة السن. وحين قامت الثورة سنة 1979، بدأت بعض الكتب والمجلات الإيرانية تنتشر بشكل منتظم في تونس. فتيسر لي الاطلاع على عدد كبير منها..

هذه إذن بدايات تعرفي على التشيع. وقد استمرت فرص الاطلاع على الكتابات الشيعية بحيث قرأت أغلب كتب الشيعة المعاصرين.. أما الكتب التراثية الشيعية فلم أطلع عليها.. لذلك، كانت معرفتي بالتشيع بالأساس فكرية وليست اعتقادية، فكنت مطلعا جيدا على الكتابات الفكرية الشيعية التي لا تخوض في العقائد بطريقة صدامية واضحة مع التدين السني التقليدي السائد في تونس.. أما الإشكالات العقائدية، فلم أبدأ في التعرف عليها إلا في أواخر الدراسة الثانوية، حين انتقلت من مرحلة الاكتفاء بالمطالعة الشخصية، إلى مرحلة الحوار والنقاش مع الأصدقاء، حيث ساعدت بعض الظروف عددا من أصدقائي في الاقتراب من التشيع العقائدي، والاطلاع على كتب مراجع التقليد. وسمح لي ذلك بالاطلاع عليها أيضا، وهالني ما فيها من فروق على المستوى الفقهي، في فقه العبادات عموما، وفقه الصلاة خصوصا، بين الفقه الشيعي ومع ما كنت أتعلمه وأمارسه في الفقه المالكي. وكانت تلك هي بداية الصدمة الدينية لدي، حيث لم أكن أشعر بحجم الخلاف في الممارسة الدينية بين السنة والشيعة.

وزاد من عمق هذه الشعور بالفوارق، بداية انتشار بعض الأشرطة المسموعة لناصر الدين الألباني وكتيباته الصغيرة في علم الحديث. وشكلت تلك الفترة بداية البحث الجاد في أسباب الخلاف الشيعي السني، انطلاقا من سنة 1990تقريبا. وكانت تلك بداية فترة معاناة فكرية، نتيجة تولّد مشاعر متناقضة بسبب أمور رئيسية ثلاثة:

- أولها: حالة التذبذب بين التعلق بالصورة الجميلة للثورة الإيرانية، وحالة الإعجاب الفكري والسياسي بها في الأوساط التونسية، وبين الخوض في مسائل كلما قرأت فيها كتابا جديدا (ظنًّا مني أني أقترب بذلك أكثر من فهم الإشكاليات وحلها)، وجدت الحيرة، على العكس من ذلك، تتعمق في داخلي أكثر.

- ثانيها: دفاع عدد من الكتاب والمفكرين والصحفيين السنّة عن الثورة الإيرانية في تلك الفترة، من أمثال راشد الغنوشي، وكليم صديقي، وفهمي هويدي، وغيرهم.

- ثالثها: تشيّع عدد من أصدقائي المقرّبين، وبداية انزوائهم عنّي بسبب رفضي للتسرع في البحث المعرفي، ورغبتي في دراسة تلك المواضيع بدون ضغوطات أو مؤثرات خارجية. وكان من خبر هؤلاء الأصدقاء أنهم استمروا على تشيعهم بضع سنوات. ثم عاد بعضهم إلى التسنن، وفتر تديّن بعضهم الآخر. ولم يستمر في التشيع إلى القليل.

كانت تلك، إذن، فترة معاناة فكرية.. وبدأت فيها بالقراءة المنهجية المعمقة في علوم الحديث وكتب التاريخ والسير. ثم حين بدأت كتب السلفية تنتشر، اطلعت على بعض كتب ابن تيمية (ومنها منهاج السنة والفتاوى)، وكتب الرد على الشيعة (مثل محب الدين الخطيب وغيره). فتعمق إدراكي للفوارق المذهبية.

وفي تلك المرحلة أيضا، تكونت لديّ صداقات كثيرة مع عدد من أتباع ما يعرف بحركات "الإسلام السياسي" و"الإسلام الدعوي".. إلى أن استقر بي المقام في كندا في أواخر التسعينات، فزاد شعوري بالاختلافات المذهبية والثقافية بين المسلمين.. فتولدت لدي فكرة إنشاء موقع "الوحدة الإسلامية" بعد سلسلة من الحوارات مع أحد الأصدقاء، وتأثرا بكتابات بعض المفكرين المسلمين من أمثال محمد الغزالي يوسف القرضاوي حول (الوحدة الإسلامية).

وخلافا لما كان سائدا في الساحة الإسلامية من التركيز على نقاط الاختلاف بين المذاهب الفقهية والعقائدية، كان تركيزي في الموقع على نقاط الالتقاء والاتفاق، إيمانا بأنها أكثر وأهم من حيث قيمتها في منظومة الخطاب القرآني.. واهتم الموقع في تلك الفترة بتجميع المادة المتعلقة بمفهوم الوحدة وأدب الحوار والخلاف، إلى أن تمكن من أن يصبح أول وأكبر موقع متخصص في هذه القضايا على الإنترنت.

ومنذ سنتين، بدأ التخطيط للتركيز على مفهوم (التنوع) عوض مفهوم (الوحدة). والموقع يقترح دراسة القضايا التالية التي أنشأ الخلاف فيها ما نراه من تنوع في عالمنا الإسلامي المعاصر: تعريف المسلم، الكفر والتكفير، التعامل مع القرآن الكريم، التعامل مع السنة النبوية، مكانة الصحابة وأهل البيت، مفهوم السنة والبدعة، التعددية المذهبية، تحديد الأصول والفروع، حديث الافتراق، الجهاد والعنف، التطرف والوسطية، الهوية الدينية والمواطنة، نظام الحكم السياسي ومفاهيم الشورى والديموقراطية والمعارضة السياسية، الإصلاح ووسائل التغيير، حرية الاعتقاد والفكر والتعبير، علاقة الإسلام بالمفاهيم الحديثة كالليبرالية والقومية والعلمانية، وأخيرا العلاقات بالآخر في وضع الأغلبية والأقلية.

ومن شأن التركيز على هذه القضايا أن يساعد في تأسيس (علم فرق) معاصر يقوم على أساس الفروقات في رؤية العالم (worldviews).


* هل تعتقد بأهمية توحد الخطاب الداخلي قبل أن يوجه هذا الخطاب للأخر بقصد الإقناع ؟

** بدايةً، من الضروري التمييز بين خطاب الإسلام وخطاب المسلمين. والأول خطاب رباني، والثاني خطاب إنساني.

فخطاب الإسلام يمثله الوحي الرباني الممثل في القرآن الكريم والسنة النبوية الموثقة. وهذا الخطاب موحّد ومتجانس في أسلوبه ومضمونه، وهو - لطبيعة مصدره - خطاب متوازن ومتكامل وذو مصداقية عالية، ويتوجه إلى الناس كافة بدون استثناء.

أما خطاب المسلمين، ولعل هذا هو المقصود بـ(الخطاب الداخلي) في السؤال، بما يعني "داخل الأمة الإسلامية" في إطارها الواسع، فإن الحديث عن توحيده هو من باب الأمور المستحيلة وغير العملية، بل وغير المطلوبة أيضا. فالتنوع الإسلامي حقيقة اجتماعية وثقافية قائمة منذ صدر الإسلام. وإذا كانت العوامل السياسية في القرون الطويلة الماضية، ووحدةُ الدولة الإسلامية (في غالب الأحيان) ساهمت في احتواء هذا التنوع والإيحاء بوحدته وتجانسه، من خلال فرض مذهب الدولة وتهميش المذاهب المخالفة، فإن هذا التنوع الإسلامي أخذ مسارا مختلفا في القرنين الأخيرين، وأصبح ظاهرة واضحة المعالم. ويعود ذلك إلى عدة أسباب، أبرزها:

- ما شهده العالم الإسلامي والساحة الدولية في القرنين الأخيرين من أحداث، وما نتج بعد مرحلة التحرر من الاستعمار الحديث، من حالة عدم استقرار نتيجة تفكك الدولة العثمانية، ونشوء واقع عربي وإسلامي جديد على أساس هويات وطنية مختلفة.. وقد أدى ذلك إلى تغيير عميق في مفهوم الأمة، وفي علاقة الدين بالدولة.

- وقد ساهم ظهور الدول الحديثة في ازدهار أغلب المذاهب الفقهية والاعتقادية، بحيث أصبح لكل منها فضاء جغرافي تمارس فيه نفوذها وسلطتها، وأقصد بذلك قيام نظم حكم يتبنى بعضها المذهبَ المالكي أو الحنفي أو الحنبلي أو الشافعي أو الأباضي، أو السلفي أو الأشعري أو الشيعي، إلخ. بحيث لم يعد يعاني أي مذهب من المذاهب من عقدة "الأقلية" التي تعوق الانتشار.

- ظهور الجماعات الإسلامية التي تتبنى العمل المسلح تحت مسمى (الجهاد في سبيل الله)، في العالم العربي عموما، كردة فعل على قيام أنظمة حكم علمانية على أنقاض الاستعمار.

- مساهمة الفتاوى الدينية الداعمة لجهاد المحتل السوفييتي الشيوعي في أفغانستان، ثم في حرب البوسنة والهرسك، في نشأة ما أصبح يعرف بـ(السلفية الجهادية)، التي بدأت متجهة نحو عدو لا خلاف في وصفه بالعدو بين مختلف التوجهات الإسلامية، لتجد نفسها، بعد عودة (المجاهدين العرب) إلى أوطانهم، في صدام وتناقض مع نفس المجتمع الذي خرجت منه، بسبب تبني مقولات الجهاد ضد الأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامية، على أساس تكفيرها والاستدلال على ذلك بمفاهيم الحاكمية والردة والولاء والبراء وغيرها.

- الهجرة الاختيارية أو الاضطرارية لأعداد كبيرة من المسلمين إلى بلاد الغرب، وتنامي أعدادا المسلمين وانضمام المسلمين الجدد الغربيين إليهم، بحيث أصبح وجودهم يمثل مكوّنا من مكونات المجتمع الغربي والثقافة الغربية المعاصرة يتطلع، رغم كونه أقلية، نحو مساهمة فعالة في البناء الحضاري المشترك في الدول الغربية.

- وأخيرا، ثورة المعلومات والاتصالات وظهور القنوات الفضائية، واختراع الإنترنت والشبكات الاجتماعية الجديدة، التي فتحت آفاق التواصل والتعبير والنشر إلى أقصى حدودها.

كل هذه الأسباب جعلت من التنوع الإسلامي المعاصر حقيقة اجتماعية وثقافية لا يمكن معها افتراض إمكانية لتوحيد الخطاب الداخلي.. وما ينطبق على الدائرة الإسلامية يصدق أيضا على الدائرة غير الإسلامية، التي تتميز هي أيضا بقدر أكبر من التنوع في الخطاب.


* هل ما زالت الوسائل الدعوية الإسلامية متأخرة برأيكم في إقناع المقابل بأهمية الإسلام، ولذا كانت الهجمة على الإسلام شرسة في مقابل عدم تكافئ الطرح من قبل المسلمين ؟

** المؤسسات المتخصصة في مجال الدعوة تقوم بجهد ضخم في توفير الكتاب المجاني وبذل النصح للراغبين في معرفة الإسلام، ومساعدة المهتدين الجدد في تخطي صعوبات التكيف مع حياتهم الجديدة. وإن كان هناك أوجه قصور في الوسائل الدعوية، فلعلها تكمن في المستويات التالية:

- نقص الابتكار في وسائل الدعوة.

- التوجه إلى الشرائح المختلفة والمتفاوتة ثقافيا بنفس المواد ونفس الوسائل الدعوية.

- غياب الدراسات الميدانية والاجتماعية الأكاديمية لتقييم المجهود الدعوي.

- عمل المؤسسات الدعوية المتخصصة يحصل، في غالبه، بشكل مستقل وفي غياب آليات التنسيق مع المراكز الإسلامية في الغرب.

- عرض القضايا الدينية بشكل يختلف عن العقلية الغربية التي تغلب عليها النزعة العملية والعقلانية.

ولكنني مع كل هذا، أرى أن جميع ما يبذل إنما يمثل عاملا ثانيا في هداية الغربيين إلى الإسلام. أما العامل الرئيسي فهو قائم بلا شك على أمرين:

- جهد المسلمين الأفراد الذين يعيشون في المجتمع الغربي، وقدرتهم الذاتية على الحوار والتواصل وبناء جسور الثقة والمصداقية في علاقاتهم الاجتماعية مع غير المسلمين، في الحي السكني، والجامعة ومقر العمل، والجمعيات الأهلية، والمؤسسات الثقافية، وغير ذلك. ويوجد في هذا المستوى نجاح ملموس، في كثير من الأحيان.

- وجهد النخبة الإسلامية المثقفة والسياسية والناشطة في بلاد الغرب، على وجه الخصوص. وهي نخبة لا تنفتح على الآخرين من أجل دعوتهم إلى الإسلام، وإنما تتطلع لصناعة مستقبل مشترك يقوم على أساس المواطنة الفعالة. وهذه الروح الإيجابية من شأنها أن ترفع بعض الأغلال الفكرية والانطباعات الخاطئة، وتساعد على خلق مناخ من الانفتاح على المسلمين ومعتقداتهم الدينية، والاستعداد للحوار بشأنها.


* بحكم إقامتكم في الغرب ووصفكم ناشطا إسلاميا وتخطب أحيانا في المساجد بكندا، كيف تجدون إقبال المجتمع الكندي في الدخول إلى الإسلام

** الاهتمام بالإسلام في المجتمع الكندي واسع، والأحداث الدولية التي يكون فيها الإسلام والمسلمون طرفا من الأطراف تساهم في ذلك بشكل كبير، حيث فرض التوتر السائد في كثير من دول العالم تغطية إعلامية محلية كبيرة، كان من مظاهرها فسح المجال لكثير من الدعاة والناشطين المسلمين للحديث في وسائل الإعلام، وعرض وجهة نظر إسلامية في كثير من القضايا السياسية والثقافية والاجتماعية والدينية.

أضف إلى ذلك أن المسلمين أصبحوا مكوّنا أساسيا في النسيج الاجتماعي الكندي، حيث تعد الجالية المسلمة حوالي 450 ألف مسلم، تتركز بصفة خاصة في تورنتو ومونتريال وأوتاوا. وقد وفر هذا الواقع فرصا كبيرة للانفتاح على الإسلام وثقافات البلاد الإسلامية.

وأما بالنسبة للدخول في الإسلام، بشكل أخص، فهو أيضا موجود، وكثير من المساجد تشهد حالات النطق بالشهادتين، بمعدل شهري تقريبا. ولكن لا أملك إحصائيات لذلك.


* هل تعتقدون أن المسلمين مقصرون في إيصال الدعوة الإسلامية إلى الغرب وخاصة كندا بوصفكم تعيشون هناك ؟

** مسئولية البلاغ تقع على كل مسلم في كل زمان ومكان، وفي حدود الإمكان.. وخطاب القرآن الكريم وضّح أنه إذا كانت المسئولية الأولى على كل إنسان تتمثل في توحيد الله عز وجل والإيمان بالوحي المنزل على خاتم الأنبياء، صلى الله عليه وسلم، وبذل الجهد في إقامة الحياة الإسلامية، فإنه أكد أيضا على أن المسئولية الثانية على كل مسلم تتمثل في الدعوة إلى الله، وإخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، مواصلة لمهمة الرسول صلى الله عليه وسلم التي حددها القرآن الكريم في "البلاغ المبين": (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ البَلاَغ المُبِينُ)، لإلحاق الرحمة بالعالمين: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلعَالَمِينَ).

ومسئولية كل مسلم في هذا العصر، وفي كل عصر، تتحدد بقدرته على تحمل الإسلام وتربية نفسه عليه وأخذها به، وعلى أداء الرسالة، وفهم عملية البلاغ وإدراك أبعادها، والصبر عليها، والحكمة في أدائها، والقدرة على إبصار وإنضاج وسائلها..

والحاجة الدعوية قائمة بشكل دائم. والمسلمون في كندا عموما يتمتعون بعاطفة ورغبة صادقة في هداية الناس. وإذا كان هناك من قصور فمردّه للأمور التالية:

- وضع "الأقلية" الذي يؤدي إلى التركيز على المطالبة بالحقوق في الممارسة الدينية، وعلى حماية الهوية والخصوصية الإسلامية من الذوبان.

- الحاجة إلى توفير الخدمات والأنشطة الاجتماعية التي يحتاجها المسلمون، وبناء المساجد وتأسيس الجمعيات الإسلامية.

- تشعّب الهموم الحياتية سواء الناتجة عن واقع سوق الشغل المحلي، أو عن الهجرة والحاجة للتكيف مع واقع الحياة الجديدة.

- كثرة التحديات التربوية،

- إضافة لقلّة المال، وعدم تفرغ الكفاءات.

وجميع هذه الأمور تستدعي الصبر والأناة والوعي ومضاعفة الجهود والتعاون لتجاوزها.


* أهم الوسائل الدعوية المؤثرة في المجتمع الغربي بشكل عام والكندي بشكل خاص ؟

** الوسائل الدعوية المؤثرة كثيرة، ولا يمكن الجزم بأهمية واحدة دون أخرى، لأن كل شخص له تجربته الشخصية وطريقته في البحث عن الحق والإيمان به.. وقد تعرفت على قصص إسلام عدد كبير من الكنديين، وبعضهم يسلم بفضل علاقته وصداقته ببعض المسلمين ممن توفرت فيهم معايير جيدة من المصداقية وسهولة المعشر، وآخرون أسلموا من خلال مطالعتهم لبعض الكتب، أو بسبب حبهم للحق والعدل وتضامنهم مع بعض قضايا المسلمين العادلة مثل القضية الفلسطينية، أو من خلال تجارب روحية خاصة، إلخ...

غير أنني أرى أن أهم الوسائل الدعوية على الإطلاق ربما يكون هو التواصل الفردي المباشر في العمل والجوار السكني والجمعيات الثقافية والاجتماعية، لأنه يقوم على بناء عامل الثقة بشكل تراكمي وطويل المدى. كما أرى أهمية الاستفادة من الوسائل السمعية والبصرية الحديثة، مثل تنظيم المعارض الفنية والأشرطة الوثائقية، وتوفير الكتب التي تعرض رؤية الإسلام للقضايا الكبرى التي تهم المواطن الكندي المعاصر، وتطرحها بأسلوب يتماشى مع عقليته وثقافته.


* كيف ترى تعايش المسلمين في كندا مع المجتمع الكندي، وهل يوصف المجتمع الكندي بأنه مجتمع يتقبل الديانات الأخرى ولا يوصف بالعنصرية ؟

** كندا تعتبر دولة نموذجية في التنوع الثقافي بحكم النشأة التاريخية وبحكم الانفتاح على الهجرة. فحسب الإحصاءات الرسمية لسنة 2001، تتوزع الأصول العرقية والإثنية للسكان على 249 عرق مختلف. وفي إطار إطار هذه التعددية الثقافية، تعتبر كندا رسميا دولة ثنائية اللغة، تستعمل الفرنسية والإنجليزية في الخطاب الرسمي. غير أن إحصائيات سنة 2001 تشير إلى وجود أكثر من 100 لغة مستخدمة في الحياة اليومية للكنديين، ووجود نسبة سكانية تقدّر بحوالي 18% ممن لا يتكلمون الفرنسية والإنجليزية كلغة أولى، ووجود 61% من المهاجرين الذين قدموا في التسعينات يتكلمون غير الفرنسية والإنجليزية في بيوتهم. ويظهر التنوع الكندي عل مستوى الأديان أيضا، إذ صرّح 83.8% من السكان بانتمائهم إلى واحد من بين 33 دينا من الأديان الموجودة في البلاد. كما شهد المجتمع تزايدا ملحوظا في أعداد المسلمين والهندوس والسيخ والبوذيين. ويمثل أصحاب الديانات من غير المسيحيين حوالي 23% من إجمالي السكان. ولمزيد بيان حجم التعقيد في التنوع السكاني في كندا، تشير الإحصائيات إلى أن 38% من السكان لهم أصول إثنية متعددة (Multiple Ethnic origins)، نتيجة الولادات من زيجات المختلطة بين مختلف الأعراق.

كل هذه المعطيات، إضافة إلى عدم وجود ماض استعماري للدولة، تفسر التعايش الكبير والعلاقات الطيبة بين المسلمين وغيرهم في المجتمع الكندي.. غير أن هذا لم يمنع من وجود بعض القضايا التي أثارت في السنوات الأخيرة بعض التوتر، أهمها:

- أحداث 11 سبتمبر 2001، والتي ألقت بظلالها على وضع المسلمين في كندا بحكم الجوار مع الولايات المتحدة الأمريكية.

- الاشتباه في حالات نادرة من التورط في قضايا أمنية، ثبت في أكثرها براءة المتهمين.

- خصوصية وضع مقاطعة كيبك الفرنكوفونية في كندا، ووجود نوع من الاستقطاب حول تطبيق التعددية الثقافية بين الحكومة الفيدرالية وحكومة المقاطعة، وتأثر النخبة السياسية والثقافية في كيبك بثقافة البلد الأم (فرنسا) عموما ونمط علمانيتها المعادي للدين، وهذا ما يفسر أن أكثر حالات التوتر تجاه مظاهر التدين الإسلامي موجودة في مقاطعة كيبك دون غيرها من المقاطعات الكندية.

- التحول الحاصل في السنوات الأخيرة على مستوى الخارطة السياسية، والذي أدى لصعود قوى اليمين والمحافظين، التي تبنت بشكل واضح مواقف غير إيجابية تجاه المسلمين وقضاياهم على المستوى الداخلي والدولي.


* أهم العوائق التي تقف أمام المسلمين وأمام عملكم الدعوي هناك ؟

** من الناحية القانونية والواقعية لا توجد أية عوائق أمام المسلمين في كندا. والدعوة التي تتم بشكل عفوي وبسيط قائمةٌ ومؤثرة بشكل إيجابي.

أما على مستوى العمل المتخصص في الدعوة فهو قائم بشكل أساسي ليس قبل تحول الأفراد إلى الإسلام، وإنما بعد تحولهم. والمراكز الإسلامية تعاني بعض الصعوبات في المستويات التالية:

- قلة الخبرات والكفاءات القادرة على الإجابة عن التساؤلات المعرفية للمسلمين الجدد،

- قلة الخبرات والكفاءات القادرة على بذل النصح لهؤلاء المسلمين الجدد عند تعرضهم لمشاكل اجتماعية وأسرية بسبب إسلامهم،

- قلة أو انعدام الموارد المالية التي تساعد على توفير الكتب الإسلامية الجيدة، باعتبار أن الكتب الجديدة هي عموما من تأليف دعاة أو أساتذة جامعيين يعيشون في الغرب، وباهظة الثمن نسبيا، ولا توفرها الجمعيات الإسلامية بشكل مجاني.


* الموجة التي تجتاح بعض من بلدان أوربا حول محاربة الحجاب والمحجبات، هل لدى مسلمات كندا نفس المعاناة أم أن ذلك ينتفي في المجتمع الكندي ؟

** في العموم لا توجد أية عوائق أمام المرأة المحجبة. وهذا لا يمنع من وجود بعض الضيق لدى الكنديين، وهو مقتصر على مقاطعة كيبك، كما ذكرت سابقا) وتجاه النقاب فقط. وقد وجدت بعض المحاولات لإثارة المشاكل حول الحجاب والنقاب في الإعلام وعلى مستوى السياسي، غير أنه تمت معالجتها بهدوء وحكمة من قبل العقلاء من المسلمين وغير المسلمين. وكان موقف الرابطة النسائية في كيبك مشرّفا، بالرغم من التوجه العلماني للرابطة، حيث اعتبرت الحجاب والنقاب حقا من حقوق المرأة. وقد خفتت الأصوات المعادية للنقاب منذ فترة.


* هل تمكن مسلمو كندا من الوصول إلى التمثيل السياسي والاجتماعي والوصول إلى مناصب مهمة في الدولة الكندية ؟

** المدن التي توجد فيها تجمعات هامة للمسلمين، مثل مونتريال وتورنتو وكلجاري وغيرها، تشهد مستويات متفاوتة وأشكالا مختلفة من المشاركة السياسية، في البرلمان الفيدرالي وبرلمانات المقاطعات، والبلديات، وينشط عدد من المسلمين في إطار الأحزاب السياسية القائمة. وفي مدينة كالجاري فاز مسلم مؤخرا بمنصب رئاسة البلدية لأول مرة في تاريخ المسلمين في كندا. وفي مونتريال تنافس أحد المسلمين (من المهتدين الجدد) على منصب رئاسة البلدية وحصل على المرتبة الثالثة.

وعموما، يبقى حجم المشاركة السياسية ضعيفا لحد الآن. وفي تقديري فإن السبب الرئيسي لهذا الضعف يعود إلى تشكّل الجالية المسلمة في كندا بالأساس من أصحاب الشهادات العلمية والتقنية والطبية، وهي تخصصات لا تساعد كثيرا على تخريج القيادات السياسية والاجتماعية. ويحتاج المسلمون لتشجيع الشباب على التوجه إلى تخصصات المحاماة والعلوم السياسية والعلوم الاقتصادية وعلم الاجتماع وعلم النفس وما شابه ذلك.


* طموح تسعون إلى تحقيقه من خلال موقعكم – التنوع الإسلامي – ولا زلتم لم تصلوا إلى تحقيقه

** موقع التنوع الإسلامي يعيش حاليا طوره الثاني. وأرجو أن تكون المادة التي نطرحها محفزا للباحثين والكتاب والناشطين لدراسة قضايا التنوع بشكل أعمق، من أجل فهم واقعنا الإسلامي المتعدد الأبعاد.

كما أرجو أن يصبح الموقع، في المستقل، نواةً لمركز دراسات متخصص في هذه القضايا التي لم تلق بعد العناية الكافية في عالمنا العربي.

الكواكبي: الاستبداد يحوّل المجتمع إلى جثة هامدة

يقول عبد الرحمن الكواكبي في كتابه (كتاب طبائع الاستبداد):

يحوّل الاستبداد المجتمع إلى جثة هامدة يستطيع النيل منها كلُّ من أراد من الأعداء المتربصين..

وفي ظله يصاب أصحاب القدرات بالسلبية والتشاؤم والقلق..

ولكن، وفي مواجهة ذلك، يدفع الطغيان المستنيرين من أبناء المجتمع إلى تكثيف جهودهم، وتنشيط حركتهم من أجل تنوير الناس واستنهاض هممهم، ومن أجل مقاومة الاستبداد وقارعة المستبد للتخلص منه..

والعنصر الأهم في هذه المواجهة هو الوعي الدقيق لمشكلات المجتع، وتلمُّسُ الحلول لها، تمهيدا لبدء حركة الإنقاذ..

والوعي، عادةً، لا يتوفر إلا بنشر الثقافة، وتحديد الملامح لأطر الفكر الإصلاحي الذي سيعتمده دعاة النهضة.

2011/04/17

لنحم شعارات الثورة من التشويه

حين يستقبل بعض الشباب في الحمامات راشد الغنوشي ويرفعون في وجهه شعار: ديقاج.. هل يمكن اعتبار مثل هذه الممارسة أمر مقبول وديموقراطي؟ هل هذه هي الديموقراطية التي نبشر بها؟ أن يسود قانون الغاب، وتصبح كل جماعة من حقها أن تصرخ في وجه أي زعيم سياسي أو حزب سياسي مطالبة بمنعه من ممارسة النشاط السياسي؟

لماذا يرفع بعض الشباب هذه الكلمة في وجه منصف المرزوقي وأحمد نجيب الشابي وحركة التجديد، إلخ؟

أليس هذا الأمر معيبا وخطيرا ويهدد العملية السياسية التي نطمح جميعا في تطويرها؟

ما تعرض له الغنوشي مدان، وما تعرض له الشابي مدان، وما تعرض له المرزوقي مدان، وما تعرض له التجديد مدان..

من الضروري أن نرتقي بالوعي الوطني والشعبي كي يتفهم الجميع أن من حق أي أحد أن يمارس النشاط السياسي حتى وإن لم نتفق معه في الرأي.. وإلا فسنظل نراوح في مكاننا ولن نؤسس لمجتمع مدني.

عبارة (ديقاج) سلاح ذو حدين، تستعمل في الخير وتستعمل في الشر.. وحين ترفع في وجه الأحزاب السياسية القائمة والتي تساهم في المسار الديمقراطي الجديد فإنها تصبح عبارة خطيرة ويجب إدانتها.. ليس من حق أحد أن يرفعها لا في وجه الغنوشي ولا الشابي ولا ابراهيم ولا الهمامي ولا بن جعفر ولا المرزوقي، ولا أي أحد يمارس العمل السياسي القانوني

ليست القضية من رحب بالغنوشي في الحمامات، ومن رفض زيارته.. القضية مبدئية: يجب استعمال الشعارات بوعي وعدم تفريغها من محتواها السياسي الإيجابي الذي أدخلها في القاموس السياسي المعاصر.

من واجبنا جميعا أن نحمي شعار (ديقاج) من تحريفها عن موضعها.. (ديقاج) يجب أن توجه فقط لرموز الفساد والاستبداد.. أما السياسيون الذين يعملون في إطار قانوني، فليس من حقنا رفعها في وجههم مهما كان مستوى خلافنا وتناقضنا مع مواقفهم السياسية

بخصوص مناظرة راشد الغنوشي ونايلة السليني

قرأت لأحد الأصدقاء في الفايسبوك تعليقا على مناظرة راشد الغنوشي ونايلة السليني، يقول فيه: ليس من الحكمة قبول دعوات المناظرات، ما وقع إلى حد الآن يكفي. وجود مفكر بوزن الشيخ راشد في مناظرة مع من لا يضاهيه لا فكرا ولا وقارا ولا أخلاقا ولا تجربة ليس في صالحه ولا في صالح النهضة ولا في صالح تونس، وإن تبين للناس تفاهة خصومه عبر المناظرات..

فقلت: بالعكس، أعتقد أن هذه اللقاءات ضرورية ومفيدة لأنها تساعد على تفكيك الشبهات والتقليل من حدة المخاوف. والعبرة ليست بمقارنة مستوى المتناظرين ولا بمسألة الوقار والأخلاق.. وأنا أرفض قطعيا تضخيم شخص وتقزيم آخر، أو اتهام خطاب فكري موجود بالتفاهة مهما كان الاختلاف معه.

والمناظرات تساعد في إيضاح الأخطاء أو المغالطات المنطقية أو الثغرات في الخطاب والخطاب المخالف..

وطبعا: الحل لتجسير العلاقة بين الإسلاميين وغيرهم لا يكمن فقط في تنظيم مثل هذه المناظرات، بل يجب اعتماد وسائل مختلفة في الخطاب والردود، والحوار..

2011/04/16

تمويل الأحزاب: لماذا نقتبس فقط من التجربة الفرنسية؟

لفت انتباهي في ندوة هيئة الخبراء المحاسبين حول "تمويل الأحزاب والحملات الانتخابية في تونس:التشريع والرقابة" تطرقها لتجربة فرنسا وعمل لجنتها الوطنية لحسابات الحملات والتمويل السياسي.


وأتساءل: هل قدرنا في تونس أن نرجع دائما وحصريا للنموذج الفرنسي؟


لماذا لا نطلع على الديموقراطيات الأخرى (بريطانيا، أمريكا، كندا، النرويج، ألمانيا..)؟ أعتبر أن حصرنا في النموذج الفرنسي هو استمرار لوصايتها ويحرمنا من نماذج قد تكون أكثر نجاحا

2011/04/15

Silence / Conseil discret / Critique publique : Quel est le le mieux?

Notre silence face aux erreurs communautaires les laissent grandir, se multiplier, s'accumuler et s'amplifier.

Et la critique des erreurs communautaires doit se faire en public, contrairement à ceux qui pensent qu'elles doit se faire en discrétion. Car la discrétion ne permet pas à personne dans la communauté de savoir s'il y a eu une tentative de critique ou pas. Et comme ça, plusieurs gens non dotés d'un esprit critique, penseront que tout va bien, et rien ne demande la correction. Nous les induisons ainsi à tolérer l'erreur, l'accepter parce qu'ils ne savent pas distinguer.

Le CIO: un centre socio-culturel islamique ou une mosquée ?

Parmi les points qui reviennent dans les échanges, la confusion sur le statut et la vocation du Centre islamique de l'Ouataouais (CIO): est-ce que c'est un "centre islamique" ou "une mosquée" ?

J'ai constaté cette confusion même dans des annonces du CIO avant et après les prières du vendredi, et dans les assemblées générales, quand certains frères insistaient sur le fait que c'est la "mosquée de Gatineau".

Dans ce qui suit, je vais exposer quelques éléments importants:

1- C'est quoi une "Mosquée" ?

La confusion chez les frères vient du fait qu'il pense au modèle de la mosquée du prophète (pbsl) à Médine, puisqu'elle était un lieu de culte, d'exercice de la politique, de choura, d'envoi de l'armée pour le Jihad, d'éducation, etc...

On oublie souvent que c'était une particularité pour la mosquée de Médine, pour différentes raisons:
- d'abord, le prophète (pbsl) avait besoin de créer un lieu de gouvernance semblable à "Dar Ennadwa" utilisée à la Mecque par les Qoreichites.
- le propĥète (pbsl) avait besoin également d'instaurer ce lieu de gouvernance non loin du Masjid parce qu'il avait besoin d'être présent en tout temps à la mosquée vu son statut religieux de prophète.
- Afin d'assurer sa présence en tout temps dans le Masjid, il a même choisi d'établir sa maison dans le Masjid.

Donc, afin d'assurer toutes ses fonctions (prophète, imam, gouverneur, juge, chef d'armée, éducateur), le prophète (pbsl) avait besoin d'inclure le tout dans un lieu proche de sa maison, ce qui le rend accessible en tout temps.

Toutefois, si on regarde toutes les autres mosquées établies par les compagnons dans les différentes villes, on constate qu'ils ont séparé le lieu de culte et le lieu de gouvernance, et séparé même les fonctions du gouverneur (الوالي) et de l'imam des prières (إمام الصلاة), sans que cela soit l'objet de débats.
Les gouverneurs ont établi leurs foyers non pas à côté dans la mosquée, mais plutôt dans le lieu de gouvernance.
Ensuite, les gouverneurs ont séparé la fonction du juge de celle de l'imam et du gouverneur, pour avoir enfin 3 institutions différentes:
- la mosquée (avec l'imam des prières)
- Majlis Al-houkm (maison du gouverneur)
- Majlis Al-Qadhaa (maison du juge).

Et depuis, la mosquée est devenue seulement un lieu :
- de culte,
- de rencontre
- et de savoir.

Donc, il faut comprendre que le statut de Masjid Al-Madeenah était un statut particulier.

2- Différence entre "Centre islamique" et mosquée :

La notion de "centre islamique" n'est apparue qu'en Occident, pour faire la distinction avec la mosquée. En fait, les premiers musulmans vivant en Occident, qui ont commencé par combler le besoin de bâtir des lieux de culte, ont trouvé que ces endroits ne suffisaient pas pour combler tous les besoins communautaires. C'est pourquoi l'idée est venue de bâtir des "centres islamiques" qui offrent des facilités logistiques et des locaux pour tous les aspects de la vie communautaire (culte et gestion des affaires communautaires).

Actuellement, il y a 3 types différents de centres islamiques en Occident, mais souvent la terminologie est mal utilisée parce que la différence n'est pas bien comprise :
- le centre islamique: est un organisme qui gère une mosquée et une bibliothèque.
- le centre communautaire islamique: est un organisme qui gère des activités sociales, avec ou sans avoir des locaux. Mais s'il a des locaux, alors ils servent comme lieux de rencontres, avec une salle de jeux.
- le centre culturel islamique: est un organisme à vocation culturelle (spectacles, expositions, conférences, gallerie, etc...)

Souvent, lorsqu'il s'agit d'un seul organisme qui regroupe les musulmans d'une ville, on a tendance à regrouper tous ces types dans une seule structure, pour avoir un centre socio-culturel et religieux. Et c'est le cas du CIO.

Voir en attachement une image explicative du lien entre les différents aspects de la culture.

3- Le CIO est un centre socio-culturel islamique, et non pas seulement une mosquée :

Le CIO n'est pas seulement mosquée, mais plutôt un "centre socio-culturel islamique" :
- qui gère entre-autres choses, deux locaux : le lieu de culte qui s'appelle "Masjid Gatineau", et la salle communautaire d'en bas.
- qui agit en tant que Représentant de la communauté musulmane de Gatineau, dans tous les aspects de la vie communautaire :
* cultuel,
* apprentissage linguistique et religieux
* social
* politique
* communication (médias et information)

Cela est spécifié dans la charte du CIO :

Conformément à ses objectifs, Le C.I.O met sur pied annuellement un programme d'activités axé sur un service de qualité et un mode de fonctionnement transparent et consultatif dans le but de :
a. Renforcer les relations de fraternité et de solidarité entre les membres de la communauté musulmane de la région.
b. Promouvoir toutes les possibilités de communication de compréhension et de coopération entre les musulmans et les non-musulmans.
c. Encourager diverses activités culturelles ciblant enfants, jeunes et adultes.
d. Réaliser des activités dans les domaines religieux, social, culturel, civique, charitable, sportif, scientifique, de recherche et autres visant l’épanouissement de la communauté musulmane.
e. Prendre des dispositions pour des célébrations matrimoniales religieuses.
f. Soutenir et accompagner les familles par le biais de conseil, de résolution des conflits familiaux et d’encadrement des parents et des adolescents.
g. Promouvoir une participation active et soutenue des femmes dans toutes les affaires de la communauté.
h. Prendre des dispositions pour des arrangements funéraires selon la tradition musulmane.
i. Utiliser, en général, tous les moyens légaux et conformes à ladite charte pour réaliser ses objectifs et réussir ses activités.

Le problème est donc d'ordre conceptuel, puisque la mosquée fait partie du centre islamique et non pas le contraire, comme le pensent plusieurs frères.

La figue en attachement explique la vocation du CIO telle qu'elle est définie actuellement (et je ne discute pas la faisabilité). Le CIO est une sorte d'organisme fédérateur pour les musulmans de Gatineau, qui assure les tâches suivantes:
- mosquée
- école arabe,
- école coranique
- bibliothèque
- animation culturelle
- animation sociale
- résolution de conflits
- porte-parole
- expositions
- représentant politique
- accompagnement social
- portes ouvertes
- dialogue interreligieux
- daawah

Maintenant :
- Est-ce que la structure du CIO est définie actuellement (dans la charte) de la meilleure façon ou pas ?
- Est-ce que tous les membres de la communauté comprennent cette vocation du CIO ou pas ?

Ce sont deux autres questions.

ملاحظة منهجية بخصوص الدراسات الاستشراقية

دراسات المستشرقين، سواء التأسيسية أو اللاحقة، تبلورت في سياق أوروبي غلب عليه علاقة الصراع بين المؤسسة العلمية والمؤسسة الدينية. وقد نتج عن هذا الصراع اتجاهات قفزت من المتطلبات المنهجية لدراسة الأديان، باعتبارها ظواهر اجتماعية، إلى نزع الشرعية عن التفسيرات التي تنطلق من زاوية الإيمان والمبررات الاعتقادية التي تبرر هذا الإيمان. وهي توجهات تهدد بتصفية الموضوع ذاته، أي الدين من أساسه.
والدراسات الاستشراقية تتميز، في أغلبها، بثلاث سمات مشتركة:
- أولها: اعتماد مسلّمات وضعية، تسعى _باسم تحرير موضوع البحث من "الأوهام" و"المعتقدات" أو رفض "وجود الله" و"ربانية المصدر للقرآن الكريم" مثلا_ إلى رد الإسلام خصوصا (في سياق الاستشراق)، والأديان بشكل عام إلى عوامل اجتماعية أولى.
- وثانيها: هيمنة النزعة الغربية، واتخاذ المسيحية الغربية (وخصوصا الكاثوليكية) أنموذجا مرجعيا في تحليل ودراسة الظاهرة الدينية، وفي صياغة المفاهيم والنماذج، ومحاولة تعميم نتائج هذه الدراسات على بقية الأديان.
- وثالثها: الحضور القوي للتفسيرات الاقتصادية والمسلمات النفعية في فهم وشرح الدوافع والمواقف والسلوكيات الدينية.
ولذلك، فمن الطبيعي أن ندعو أو نتفهم الدعوة إلى توخي الحذر المعرفي في التعامل مع إنتاج المستشرقين.
غير أنه في ذات الوقت لا يمكن إنكار إمكانية (بل ضرورة) الاستفادة من إنتاج المستشرقين، بحكم سبقهم التاريخي، وما حققوه من خبرة متراكمة على صعيدي النظرية ومناهج البحث. والموقف النقدي والمستقل إزاء هذه الإسهامات لا يؤدي بالضرورة إلى رفضها برمتها، بل يمكن توظيفها، لا كمسلمات غير قابلة للنقاش، وإنما كفرضيات نظرية يمكن للباحثين أن يشتغلوا بالبحث، بها وعليها، لإنتاج معرفة وفهم أفضل للظاهرة الدينية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه المعرفة الناتجة جزئية ومحدودة ومؤقتة.
ملاحظة: هذه الملاحظة استلهمتها من قراءتي في الأسابيع الأخيرة لكتاب صغير الحجم، عظيم الفائدة (في تقديري): للدكتور عبد اللطيف الهرماسي، بعنوان "ظاهرة التكفير في المجتمع الإسلامي، من منظور العلوم الاجتماعية للأديان" منشورات مركز الجزيرة للدراسات 2010:

2011/04/14

الصمت والكلام: أيهما فضيلة، وأيهما رذيلة؟

أرسل لي أحد الأصدقاء رسالة نقلها من الإنترنت، عنوانها: إذا تم العقل نقص الكلام.. وساق فيها العبارات التالية:
لا خير في الصمت عن الحكم ، كما أنه لا خير في القول بالجهل
تكلموا تعرفوا ، فإن المرء مخبوء تحت لسانه
لا تقل ما لا تعلم ، بل لا تقل كلَّ ما تعلم
إذا تمَّ العقل نقص الكلام
قلب الأحمق في فيه ، ولسان العاقل في قلبه
لسان العاقل وراء قلبه ، وقلب الأحمق وراء لسانه
الخرس خير من الكذب
للكلام آفات
كثرة الهذر تملّ الجليس وتهين الرئيس
الخرس خير من العي
ينبئ عن عقل كل امرئٍ لسانه
يستدل على عقل الرجل بحسن مقاله
لا يقوّل السفيه إلاَّ مرّ الكلام
الصمت آية الحلم
اللسان ترجمان العقل
يستدل على عقل كل امرئ بما يجري على لسانه
نعم قرين الحلم الصمت
لا خازن أفضل من الصمت
العاقل من عقل لسانه
لا تزدرينَّ أحداً حتَّى تستنطقه
من عقل الرجل أن لا يتكلم بكلّ ما أحاط به علمه
لا حافظ أحفظ من الصَّمت
من أمسك لسانه أمن ندمه
من أطلق لسانه أبان عن سخفه
لا عبادة كالصمت
من ساء كلامه كثر ملامه
لا تحدّث بما تخاف تكذيبه
من صدقت لهجته قويت حجَّته
لا تصحبنّ من لا عقل له
من حَسُن كلامه كان النجاح أمامه
من ساء لفظه ساء حظه
من كثر كلامه كثر غلطه
من أسرع الجواب لم يدرك الصواب
من كَثُر مقالُه سُئِمَ
لكلّ مقام مقال
من كَثُر كلامه زلَّ
من لانت كلمته وجبت محَّبته
من كثر كلامه كثر لغطه
لسان الصدق خير للمرء من المال
من كثُر كلامه كثُر سقطه
كلام الرجل ميزان عقله
من تفقَّد مقاله قلَّ غلطه
من لزم الصمت أمن الملامة
من كَثُر مقاله لم يعدم السقط
كم من دمٍ سفكه فم
===========
فأجبته قائلا:
بل:
إذا تم العقل، بدأ الكلام
الصمت رذيلة في العموم، ولا يصبح فضيلة إلا حين يعجز الإنسان على قول الخير..والكلام فريضة في العموم، ولا يصبح رذيلة إلا حين يعجز صاحبه عن قول الخير..
والصمت لا يدل على الحكمة.. بل قد يخفي حمقا لا مثيل له.. بل الكلام هو الذي يدل على الحكمة..وكثير من الناس يصمتون ليس لحكمتهم، وإنما لخوفهم من افتضاح جهلهم، أو لكسلهم الثقافي..
الصمت موتٌ.. والكلام حياةٌ
الصمت سكون، والكلام حركة.. والسكون توقّف، والحركة تقدم..
والصمت عجز.. والكلام قدرة..
والإسلام يحث على العلم، ليس للصمت وإنما للكلام..
والرسول صلى الله عليه وسلم أوجب الكلام على المؤمن، واعتبره دليلا على الإيمان، فقال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراأما الصمت في هذا الحديث (أو ليصمت)، فهو آخر حل للمؤمن حين يعجز عن قول الخير..ويخطئ من يظن أن هذا الحديث فيه حث على فضيلة الصمت.. بل هو حث مطلق على فضيلة الكلام وفريضة الكلام..
والرسول صلى الله عليه وسلم وصف الصمت بأنه أضعف الإيمان، في حديث (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)..والقرآن اعتبر (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) من أعلى مراتب شعب الإيمان.. فكيف نظن، والحال كذلك، أن الصمت فضيلة؟!!
وأما الأمثال العربية التي تكرّس الخمول الفكري، وتنهى عن الحوار، وتمدح "رذيلة" الصمت، كهذه التي تم ذكرها هنا، فهي جزء من واقعنا الرديء الذي نعاني من تبعاته في أمتنا..
والله المستعان

2011/04/13

حواراتنا غير المكتملة.. جهد مهدور

من يقرأ الحوارات في المنتديات الإسلامية يصطدم بكونها أكثرها مبتورة، غير كاملة. وعادة ما ينتهي فيها الأمر إلى تخلص أحد المشاركين من استكمال الحديث لسبب أو لآخر.
فما الذي يحصل في نهاية مثل هذه الحوارات؟ الجواب: تصبح جهدا مهدورا، تضيع فائدته التي انطلق من أجل تحصيلها..

لأن موضوع الحوار يبقى عنصر اختلاف بين المتحاورين. فيتأجل الكلام، ويبقى كل واحد على رأيه، فيضيع الهدف الذي من أجله انطلق الحوار، وهو:

1- إقناع أحد الطرفين للآخر بوجهة نظره،

2- أو على الأقل تقريب وجهتي النظر، فتصبح المسافة بين المتحاورين أقرب مما كانت عليه قبل الحوار.

ولتقريب الفكرة إلى الذهن، أسوقها بالترتيب التالي :

1- يعرض شخص (ولنسمّه: محمد) موضوعا، أو تعليقا، أو مقالا، يحتوي على وجهة نظر أو فكرة.

2- يقرأ شخص ثان (ولنسمه: عبد الله) الموضوع، فيحصل لديه "انطباع" حول تلك الفكرة. ومن خلال الانطباع الذي تولد لديه، يقرر أن يقف على مسافة من تلك الفكرة. واعتمادا على هذا الانطباع المتولد لديه، يعتقد "عبد الله" أن رأي "محمد" بعيد عن الرأي الصائب (أو لنسمه: الحق). ثم يقرر، اعتمادا على ذلك، أن يقف أيضا على مسافة من "محمد".

3- انطلاقا من انطباعه حول تلك الفكرة، وانطباعه حول "محمد"، يكتب "عبد الله" ردا أو تعليقا، يوضح فيه المسافتين التي قررهما لنفسه تجاه الرأي، وتجاه "محمد".

الحالة الأولى:

في بعض الأحيان، لا يرد "محمد" على "عبد الله" لتوضيح رأيه، فيقطع بالتالي الحوار. وفي هذه الحالة، تكون النتيجة أن المسافة بين "محمد" و"عبد الله" تبقى كما حددها "عبد الله" اعتمادا على انطباعه.

فإن كانت هذه المسافة متباعدة، فمن الذي يلام عليها في هذه الحالة؟

في تقديري: الملوم هو "محمد" لأنه تخلى عن واجب توضيح رأيه، فترك "عبدَ الله" محتفظا بانطباعه عن المسافة بينهما، في حين أن واقع الأمر قد لا يكون كذلك لو وضّح رأيه أكثر.

بالتالي، فعوض أن تكون المسافة بين المتحاورين مسافةً حقيقيةً (واقعية، موضوعية)، تصبح مسافة انطباعية مغلوطة، لأنها لا تعبر عن المسافة الحقيقية.

الحالة الثانية:

في الحالة الثانية، يبذل "محمد" مجهود توضيح رأيه لعبد الله، فيشرح أدلته، ليبين أن "عبد الله" مخطئ في تقدير مسافته الانطباعية حول تلك الفكرة، وحاول تقريب المسافة بين "عبد الله" وبين الفكرة الأصلية، بحيث تكون هذه المسافة أقصر من المسافة الأولى (مسافة الانطباع الأول).

في هذه الحالة، واعتمادا على تقريب المسافة وتصويب فهم الفكرة، يسعى "محمد" أيضا لتغيير انطباع "عبد الله" نحو شخصه، حتى تصبح المسافة بين الشخصين أقرب من تلك التي نتجت عن انطباع "عبدد الله" تجاه "محمد".

وفي انتظار جواب "عبد الله"، ما الذي يحصل في ذهن (أو في انطباع) "محمد"؟

ما يحصل هو أنه يكوّن لنفسه انطباعا حول "عبد الله". بحيث تكون المسافة الناتجة عن انطباع "محمد" حول "عبد الله" مختلفةً عن المسافة الناتجة عن انطباع "عبد الله" نحو محمد". وفي هذه الحالة، يظن "محمد" أنه قرّب المسافة بينه وبين "عبد الله"، في حين أن الثاني بقي انطباعه كما هو، لم يتغير.

الحالة الثالثة:

الآن: ماذا يمكن أن تكون ردة فعل "عبد الله" عند قراءة رد "محمد"؟

الجواب: إما أن لا يبذل الجهد لتعديل انطباعه اعتمادا على المعلومات الجديدة التي أضافها "محمد"، أو أن يترك الرد.

فإن ترك الرد (وما ينتج عنه من تعديل للمسافات بين المتحاورين)، نجد أن: المتحاورين لم يعد لهما نفس الانطباع حول المسافة بينهما، وبالتالي فإن المسافة الحقيقية بينهما، بدلا من أن يتم معرفتها بشكل جيد، تصبح "مسافة انطباعية"، مختلفا في تقديرها وقياسها بين المتحاورين.

وفي غالب الأحيان تكون المسافتان الانطباعيتان مختلفتين عن المسافة الحقيقية بين الرجلين (وهذا الأمر من الضروري التنبه إليه والتأكيد عليه).

في هذه الحالة، يصبح الحوار غير مفيد، بل يصبح ضارا، إن لم نقل خطيرا، لأنه ينجر عنه أخطاء كثيرة في تقييم الرأي وتقييم الرجال بعضهم لبعض.

لماذا؟ لأن الحوار في أصله ينطلق إما لرغبة في تقريب وجهات النظر أو في تقريب بين المتحاورين. أي أن الحوار يُعتمَد لحساب المسافات الحقيقية بين الأفكار أو بين الرجال. فإذا تخلى أحد المتحاورين (أو كلاهما) عن استكمال عملية تعديل المسافة للوصول إلى المسافة الحقيقية، فإن الحوار يصبح ضارا.

إذن: في هذه الحالة (أي عندما لا يرد "عبد الله")، على من يقع اللوم؟

لا شك أن اللوم يقع على "عبد الله".

قاعدة عامة في الحوارات:

من هنا، أسوق قاعدة عامة في الحوارات كي تكون ناجحة: "لحساب المسافة الحقيقية بيننا (كمتحاورين)، نحتاج للاستمرار في توضيح الافكار (في مسار ذهاب وإياب) لعدة مرات، حتى نضمن لأنفسنا الاستفادة من حواراتنا".

والمثال الذي طرحته يعرض مقطعا نموذجيا واحدا من عملية الحوار، أي:
- عرض فكرة
- نقد الفكرة
- إعادة توضيح الفكرة

وهذا المقطع يمكن أن يكون في بداية عملية الحوار، أو أثناءها، أو في نهايتها.

ولو كررنا هذا المقطع مرات ومرات، فلا شك أننا سنجد حالات متعددة، تبين في آخر المطاف أن عملية الحوار، عندما تنطلق في لحظة ما، تؤدي إلى سلسلة متحركة من حساب المسافات الحقيقية والانطباعية بين الأفكار، والمسافات الحقيقية والانطباعية بين المتحاورين.

خطوات ضرورية لنجاح الحوار:

الحوار ميدان حراك سريع، وعندما نريد بدءه مع أحد الأشخاص، يجب أن نقوم به بوعي ويقظة، كي لا يؤدي إلى نتائج عكسية. ومن الخطوات التي تهيء لنجاحه إدراك المسائل التالية:

1- ما هو الهدف الذي أسعى لتحقيقه من الحوار؟
- أهو معرفة المسافة بيني وبين محاوري؟
- أم تطوير علاقتي به لمزيدالتقارب؟
- أم تصحيح المسافة بيننا؟
- أم توجيه رسالة لمحاوري بأننا متباعدان؟
- أم توجيه رسالة لآخرين يطلعون على هذا الحوار، من باب: (إياك أعني وافهمي يا جارة)؟
- أم من باب تقريب مستمع لصفي وإبعاده عن صف محاوري ؟
...

2- الحرص على وضوح التعبير عن الفكرة، حتى يفهم محاوري فكرتي تماما كما أردت له أن يفهمها (وهذا الأمر هو أصعب المراحل، لأنه يستدعي معرفة كافية بأسلوب تفكير المحاور).

3- عدم تفويت الفرص أثناء الحوار لفرز النقاط المتفق عليها والتركيز عليها وتذكير المحاور بها. وهذا على عكس ما يجري في العادة من التركيز على نقاط الخلاف وإن كانت ثانوية، وإغفال نقاط التلاقي، وإن كانت كبيرة ورئيسية. لأن استدعاء نقاط دون أخرى يؤدي دائما إلى خطإ كبير في حساب المسافات بين الأفكار والأشخاص.

4- الدخول في عملية الحوار بروح إيجابية متفائلة، تحسن الظن بالآخر، ولا تفسر أي خطإ في التعبير أو في التفكير بأنه ناتج عن انحراف أصيل.

5- التنبه إلى ضرورة قياس أهمية (أو قيمة) كل فكرة قبل التركيز عليها في الخطوات التالية من عملية الحوار:
- أهي هامة، مقارنًة بالأفكار الأخرى التي يجب التركيز عليها؟
- إن كان التركيز على فكرة مختلف فيها سيؤدي حتما إلى تباعد وتنافر، فلماذا لا يتجنب الحديث فيها حرصا على عدم التباعد؟
- ...

4- عدم إنهاء الحوار في اللحظة التي يكون فيها حساب المسافات ضارا بالعلاقة بين المتحاورين، أي عندما تصبح المسافة الجديدة الناتجة عن الحوار أبعد من المسافة التي انطُلٍق منها.

5- عند الاضطرار لقطع الحوار، لسبب أو لآخر، فمن الضروري تلخيص ما تم التوصل إليه، وإيضاح الأمر حتى لا يؤدي قطع الحوار إلى توجيه رسالة سلبية وخاطئة للمحاور، قد لا تعبر عن حقيقة السبب الذي أدى إلى قطعه.

6- ويبقى أهم المسائل (في تقديري) في نجاح الحوار أن يتم التعامل مع المحاور كشخص مستقل عن غيره، وأن لا نحاكمه إلى أنماط جاهزة من الأشخاص نظن أنه يشبهها أو يعبر عنها، فيصبح حوارنا معه أشبه بالحوار مع الآخرين.

ومثال ذلك أن نعمد إلى البحث عن فكرة أو عبارة في كلام المحاور فنستنتج أنه ينتمي إلى فرقة أو مذهب أو طائفة، أو شيخ، فنعمد نتيجة ذلك إلى استحضار كل المقولات السائدة عن هذه الفرقة أو المذهب أو الطائفة أو الشيخ، ونستكمل حوارا معه على أساس هذه المقولات التي لم يقلها بالضرورة... وهذا من أخطر الأساليب في الحوار، وعادة ما يؤدي إلى أحكام ظالمة في تقييم الأشخاص.