دراسات المستشرقين، سواء التأسيسية أو اللاحقة، تبلورت في سياق أوروبي غلب عليه علاقة الصراع بين المؤسسة العلمية والمؤسسة الدينية. وقد نتج عن هذا الصراع اتجاهات قفزت من المتطلبات المنهجية لدراسة الأديان، باعتبارها ظواهر اجتماعية، إلى نزع الشرعية عن التفسيرات التي تنطلق من زاوية الإيمان والمبررات الاعتقادية التي تبرر هذا الإيمان. وهي توجهات تهدد بتصفية الموضوع ذاته، أي الدين من أساسه.
والدراسات الاستشراقية تتميز، في أغلبها، بثلاث سمات مشتركة:
- أولها: اعتماد مسلّمات وضعية، تسعى _باسم تحرير موضوع البحث من "الأوهام" و"المعتقدات" أو رفض "وجود الله" و"ربانية المصدر للقرآن الكريم" مثلا_ إلى رد الإسلام خصوصا (في سياق الاستشراق)، والأديان بشكل عام إلى عوامل اجتماعية أولى.
- وثانيها: هيمنة النزعة الغربية، واتخاذ المسيحية الغربية (وخصوصا الكاثوليكية) أنموذجا مرجعيا في تحليل ودراسة الظاهرة الدينية، وفي صياغة المفاهيم والنماذج، ومحاولة تعميم نتائج هذه الدراسات على بقية الأديان.
- وثالثها: الحضور القوي للتفسيرات الاقتصادية والمسلمات النفعية في فهم وشرح الدوافع والمواقف والسلوكيات الدينية.
ولذلك، فمن الطبيعي أن ندعو أو نتفهم الدعوة إلى توخي الحذر المعرفي في التعامل مع إنتاج المستشرقين.
غير أنه في ذات الوقت لا يمكن إنكار إمكانية (بل ضرورة) الاستفادة من إنتاج المستشرقين، بحكم سبقهم التاريخي، وما حققوه من خبرة متراكمة على صعيدي النظرية ومناهج البحث. والموقف النقدي والمستقل إزاء هذه الإسهامات لا يؤدي بالضرورة إلى رفضها برمتها، بل يمكن توظيفها، لا كمسلمات غير قابلة للنقاش، وإنما كفرضيات نظرية يمكن للباحثين أن يشتغلوا بالبحث، بها وعليها، لإنتاج معرفة وفهم أفضل للظاهرة الدينية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه المعرفة الناتجة جزئية ومحدودة ومؤقتة.
ملاحظة: هذه الملاحظة استلهمتها من قراءتي في الأسابيع الأخيرة لكتاب صغير الحجم، عظيم الفائدة (في تقديري): للدكتور عبد اللطيف الهرماسي، بعنوان "ظاهرة التكفير في المجتمع الإسلامي، من منظور العلوم الاجتماعية للأديان" منشورات مركز الجزيرة للدراسات 2010:
Aucun commentaire:
Publier un commentaire