2011/04/08

اللعن في القرآن الكريم

مفهوم اللعن ورد في القرآن بمشتقاته المختلفة في 37 موضعًا، تنقسم إلى 3 أقسام:

* القسم الأول: الخبر عن الله تعالى بأنه لعن أو يلعن بعض عباده الكفار المعاندين، الذين استحقوا غضبه وعقابه، وهؤلاء على أصنافٍ:

1- من لعنهم الله تعالى بسبب كفرهم وعنادهم واستحقاقهم للخلود في النار: كما في المواضع التالية: البقرة: 88، البقرة: 161، آل عمران: 87، النساء: 46، النساء: 47، النساء: 52، المائدة: 78، التوبة: 68، هود: 60، هود: 99، القصص: 42، الأحزاب: 64، محمد 23، الفتح: 6.
2- من لعنهم الله لمعاندتهم في إنكار الحق وكتم العلم والكذب على الله وتضليل الناس، كما في المواضع التالية: البقرة: 89، البقرة: 159، المائدة: 13، المائدة: 60، المائدة: 64، الرعد: 25.
3- لعن من قتل مؤمنًا متعمدًا: وهذا في موضع واحد: النساء: 93.
4- لعن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات: النور: 23.
5- لعن الذين يؤذون الله ورسوله: الأحزاب: 57، وهم المنافقون: الأحزاب: 61.
6- لعن الشيطان الرجيم: النساء: 118، ص: 78، الحجر: 35.
7- شجرة الزقوم التي في أصل الجحيم: الإسراء: 60.

* القسم الثاني: لعن أهل النار، وهم أهلها الكفار الخالدون فيها

- فأخبر الله تعالى بلعنهم: الأعراف: 38، غافر: 52
- وأن بعض أهل النار يلعن بعضًا: الأعراف: 38، الأحزاب: 68، العنكبوت: 25،
- وأنه يُعلن فيهم باللعن إيذانًا بحرمانهم من رحمة الله: الأعراف: 44، هود: 18.

* القسم الثالث: ورود اللعن على سبيل التشريع،

وهذا ورد في موضعين فقط:
- الأول في المباهلة: قال تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ، فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران: 59-61].
- والثاني: في الملاعنة بين الزوجين: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ، وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ، وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ، وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 6-9].

فهذا جميعُ ما ورد من اللعن في القرآن الكريم..

* تعليقات على ما ورد:

1- اللعن الوارد في القرآن أغلبُه من باب الإخبار أن الله لعن أو يلعن بعض خَلْقِه، وهذا من خصائص الربِّ القدير، الذي يعاقب من كفر وعاند من عباده؛ بالغضب واللعن والخلود في النار.

2- التلاعن هو من صفات أهل النار يوم القيامة، لأنهم قد أيقنوا بخلودهم في النار، ويئسوا من رحمة الله ومغفرته. أما أهل الجنة والرضوان فاللعن والتلاعن عنهم بعيد.

3- اللعن لم يأت في كتاب الله تعالى على وجه التشريع إلا في موضعين فقط. فلم يرشد الله تعالى عباده إلى اللعن والتلاعن، ولم يشرع لهم ذلك، ولا ذكره في سياق أخبار الأنبياء والرسل.

4- لم يرد في القرآن أن نبيا لعن قومه أبدا، باستثناء نوح (ع) لخصوصية دعوته طوال ألف سنة إلا خمسين عاما لم يؤمن فيها إلا قليل. ونوح (ع) لم يلعن قومه، وإنما دعا على من أصر منهم رغم وجوده بينهم قرون عديدة. ولا يجوز لأحد أن يقارن نفسه بنوح، أو يقارن المسلمين من أهل السنة بقوم نوح.

5- في ما يتعلق بما ورد في القرآن من لعن للذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى.. الآية المذكورة لا يقصد بها أن داود وعيسى عليهما السلام هما اللاعنان، وإنما المقصود بها أن لعن الله تعالى لبني إسرائيل ورد على لسان هذين النبيين في كتابيهما، أي أن اللعن الإلهي لبني إسرائيل قبل أن يرد في القرآن (في سورة الفاتحة، بوصفهم مغضوبا عليهم)، ورد في السابق أيضا على في الزبور (كتاب داود) وفي الإنجيل (كتاب عيسى).. فداود وعيسى نقلا خبر لعنة الله وغضبه على بني إسرائيل وليسا هما الداعيين.

6- الأصل في دعوة الأنبياء (ع) هو الامتناع عن اللَّعن، لأنه منافٍ للرحمة. وغرض الداعي إلى الله تعالى هو إيصال الدين الحق إلى الخلق، وهو عين الرحمة، فصار اللعن منافيًا لغرضه ودعوته.
لهذا لم يكن النبيُّ (ص) لعَّانًا. ففي الصحاح: "لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ (ص) سَبَّابًا، وَلَا فَحَّاشًا، وَلَا لَعَّانًا، كَانَ يَقُولُ لِأَحَدِنَا عِنْدَ الْمَعْتِبَةِ: ((مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ!))".
وفي الحديث الصحيح أيضا: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ! قَالَ: ((إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً).
ومعنى الحديث: لو كنتُ أدعو عليهم لبعدوا عن رحمة الله، ولصرت قاطعًا عن الخير. وأنا لم أبعث لهذا. إنما بعثت لأقرّب الناس إلى الله وإلى رحمته، وما بعثت لأبعدهم عنها. فاللعن منافٍ لحالي؛ فكيف ألعنُ.

7- نفى النبي (ص) أن يكون اللعن من صفات المؤمن؛ فقال (ص) فيمال رواه الترمذي: "لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ، وَلَا اللَّعَّانِ، وَلَا الْفَاحِشِ، وَلَا الْبَذِيءِ".
بل هدد النبي (ص) اللعَّانين، كما جاء في الصحيح: "لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ، وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
وقال أيضا في الحديث الصحيح: "لَا يَنْبَغِي لِصِدِّيقٍ أَنْ يَكُونَ لَعَّانًا".

8- فيما يتعلق باللعن الوارد على سبيل التشريع:

ورد ذلك في قضيتين محددتين:
- الأولى: في موضوع (المباهلة)، حيث تنتهي المناظرة إلى إنكار الحق الواضح البيِّن وجحوده من أحد الطرفين، مع المكابرة والعناد، فيضطر الطرف الآخر إلى دعوة الجاحد المكابر المعاند إلى المباهلة.
- والثانية: في (الملاعنة بين الزوجين)، والتي تكون عند فَقْد الأدلة القضائية للإدانة، فيتم اللجوء إلى الملاعنة؛ ليسلم الزوج من تهمة القذف لزوجته بالباطل، وتسلم الزوجة من عقوبة الزنى بمجرد تهمة الزوج لها.

* أخيرا، أذكّر بهذا الحديث الصحيح:

روى أبو داود في صحيحه عن أبي الدرداء أن النبي (ص) قال:
((إِنَّ العَبْدَ إِذَا لَعَنَ شَيْئًا صَعَدَتِ اللَّعْنَةُ إِلَى السَّمَاءِ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ دُونَهَا..
ثُمَّ تَهْبِطُ إِلَى الأَرْضِ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُهَا دُونَهَا..
ثُمَّ تَأْخُذُ يَمِينًا وَشِمَالاً، فَإِذَا لَمْ تَجِدْ مَسَاغًا رَجَعَتْ إِلَى الَّذِي لُعِنَ..... See More
فَإِنْ كَانَ لِذَلِكَ أَهْلاً، وَإِلاَّ رَجَعَتْ إِلَى قَائِلِهَا))
ومعنى الحديث: أن اللعن إذا خرج من فم قائله فلا يغفر له ذلك، حتى تحق على الملعون، وإلا رجعت فحقت على اللاعن

ويحذّركم الله نفسه.. وما الله بظلام للعبيد..

Aucun commentaire:

Publier un commentaire